التسمية

اللّسَانُ السّابِعissane7L

آخر المنشورات:

المحاضرة الثالثة في مقياس علم الدلالة العربي "ماستر لسانيات عربية" للموسم 2023/2022:

المستوى: ماستر لسانيات عربية.    السداسي: 03.     المقياس: علم الدلالة العربي "محاضرة".           د. جلول تهامي.

المحاضرة الثالثة في مقياس علم الدلالة العربي "ماستر لسانيات عربية"  للموسم 2022/2023:

النظريات الدلالية:

ركزت المناهج اللغوية في دراسة المعنى على دراسة المعنى المعجمي، أو دراسة معنى الكلمة باعتبارها الوحدة الأساسية لكل من النحو والدلالة، وقد قُدِّمت بهذا الخصوص نظرياتٌ متعددة ومتنوعة؛ الأمر الذي أفضى إلى انعكاس هذا التباين كذلك على مستوى الآليات والمناهج، أفضى هذا إلى اختلاف في النظر إلى المعنى وتناوله وتعريفه، ومن النظريات التي ظهرت: النظرية الإشارية، والنظرية التصورية، والنظرية السلوكية، والنظرية التوليدية، والنظرية البراجماتية، والنظرية السياقية، والنظرية التحليلية، ونظرية الحقول الدلالية .

إن محاولة تأسيس نظري للمبحث الدلالي العام، هو ما تصبو إليه الدراسات اللغوية التي تناولت قضية ”المعنى"، فحاولتْ جمع أفكارها ضمن رؤى تنظيرية ترمي إلى الشمولية في الدراسة والعالمية في الأهداف.

 إن التراكم الفكري اللغوي _منذ مدرسة "براغ"[1] التي ركزت اهتمامها على الصوت والدلالة، ومدرسة "كوبنهاجن"[2] التي اهتمت بدراسة العلامة اللغوية_ قد رسم للغويين المحدثين اتجاهاً يكاد يكون واضحاً نحو إرساء علمي لنظرية الدلالة، ولا يمكن في هذا الوضع إغفال الجهد المضني الذي قدمه العالم اللغوي دي سوسير، إذ كانت لأفكاره وآرائه ومنهجه في الدراسة الألسنية، أكبر الأثر في مسار علم الدلالة الحديث.

إن مصطلح "النظرية اللغوية" يدل على اكتمال في الرؤية وحصول النتيجة العلمية غاية البحث واطراد في السنن اللغوية، لكن المبحث الدلالي الحديث لم تكتمل حلقاته بعد، فلا زالت توجد الإضافات العلمية التي تقدم تأويلات جديدة لظاهرة لغوية تخص الدلالة، ومع ذلك تأسست نظريات تناولت مسألة "المعنى" من كل جوانبها، مما أدّى إلى تشعب البحث في متعلقات المعنى اللغوية وغير اللغوية، وحاولت تقديم معايير موضوعية تنجسم معها كل قضايا الدلالة موضوع الخلاف بين اللغويين، غير أنها فتحت عوالم أخرى جديدة لتتسع معها رقعة البحث الذي تباينت فيه آراء العلماء في التناول وطرائقه، والتأويل ومعاييره، ووجدت بين ذلك أفكار رغم أهميتها إلا أنها لم ترْقَ إلى مصاف النظرية العلمية، وذلك لافتقارها لصفة الشمولية في التناول.

الاختلاف في الرؤية التنظيرية بين العلماء يرجع إلى اختلاف في المنهج أو الطريقة المعتمدة في الدراسة، وإذا تأملنا مختلف النظريات الغربية الحديثة التي عكفت على البحث في الدلالة، نجد أغلبها يتوزع على خمسة حقول تخضع لخمسة مناهج تبناها اللغويون في التنظير:

1) المنهج الشكلي الصوري[3]:يصف المدلولات بالنظر إلى الشكل الذي يجمعها في بنية واحدة و تفرعها عن أصل واحد[4].

2) المنهج السياقي[5]: الذي يتم من خلاله تصنيف المدلولات لاعتبارات تركيبة وتعبيرية وأسلوبية.

3) المنهج الموضوعي المقامي النفسي: فهو المنهج الثالث الذي يحدد معه مدلول اللفظ والخطاب اللغوي، باعتبار حال المتكلم ومقامه وموقفه.

4) منهج الحقول الدلالية[6]: المهتم بتحديد البنية الداخلية للمدلول، واعتبار القرابة الدلالية والعلائقية بين المدلولات (المفاهيم).

5) منهج التحليل المؤلفاتي الذي تنكشف معه البنية العميقة للخطاب بتحليل اللفظ إلى مؤلفاته وعناصره[7].

وتجدر الإشارة إلى أن النظريات العربية في أي حقل من حقول العلم والمعرفة، ومنها حقل الدراسة الدلالية، لها مرجعيتها التاريخية والفكرية، وتخضع لتصورات اجتماعية معينة لا يمكن اسقاطها من أي مقاربة علمية، وهو ما حدا ببعض علماء العرب المحدثين إلى الدعوة لضرورة تجديد التراث من داخله دون إغفال "المفاتيح" العلمية الحديثة، ولا بد معها من احتياطات منهجية على النتائج التي نصل إليها.

ومع ذلك لا يثنينا شيء عن إجراء إسقاطات منهجية ونظرية واعية على المنظومة المعرفية التراثية، وكون النظريات الغربية استمدت معالم قواعدها وتطبيقاتها من لغات أجنبية غير اللغة العربية، لا يعد مانعا من الاستفادة من أفكارها في تعاملنا مع التراث العربي، ذلك أن "اللغة العربية بصفتها "لغة" تنتمي إلى مجموعة اللغات الطبيعية وتشترك معها في عدد من الخصائص (الصوتية والتركيبة والدلالية) وتضبطها قيود ومبادئ تضبط غيرها من اللغات.

وتحديدا للإطار النظري العام لعلم الدلالة، سنعرض لبعض النظريات التي قدمت معايير أولية لمسألة المعنى وما تفرع عنها.

01-  النظرية الإشارية:

تشكل هذه النظرية في مسار علم الدلالة الحديث أولى مراحل النظر العلمي في نظام اللغة، بل إلى أصحابها يرجع الفضل في تمييز أركان المعنى وعناصره، معتمدين في ذلك على النتائج التي توصل إليها دي سوسير  في أبحاثه اللسانية التي خص بها الإشارة اللغوية باعتبارها "الوحدة اللغوية المتكونة من دال ومدلول.

الدال: هو الإدراك النفساني للكلمة الصوتية. والمدلول هو الفكرة أو مجموعة الأفكار التي تقترن بالدال.

ورغم أن أصحاب هذه النظرية لا يكادون يجمعون على رأي واحد فإن أغلبهم أطلق على هذه النظرية مصطلح "النظرية الاسمية في المعنى (theory of meanings naming) التي تنظر إلى الدلالة على أنها هي مسماها ذاته.

إن الذي منح لهذه النظرية الصبغة العلمية هما العالمان الإنجليزيان "أوجدن" و"ريتشاردز" اللذان اشتهرا بمثلثهما الذي يميز عناصر الدلالة بدءا بالفكرة أو المحتوى الذهني ثم الرمز أو الدال، وانتهاء إلى المشار إليه أو الشيء الخارجي.

ü    الفكرةأو المحتوى الذهني

ü    الرمز أو الدال.

ü   الشيء الخارجي- المشار إليه.

بمعنى آخر تعتمد هذه النظرية في تحديدها للمعنى على ثلاثة أسس: الفكرة، والرمز، والمرجع، ويكون معنى الكلمة بالارتكان إلى هذه الأسس هو ما تشير إليه في العالم الواقعي، بعبارة أوضح: مرجعها في العالم الخارجي.

إن هذا التقسيم المتميز للمعنى يعد خطوة جريئة في عصره، وأعطى للمبحث الدلالي نفساً جديداً سوف يتولد عنه نظريات جديدة وأفكار مهمة، إن الدراسات الدلالية التي اضطلع بها العلماء المتأخرون تدور كلها في فلك مثلث "أوجدن" و "ريتشاردز" ذلك أنها تناولت في مباحثها أحد عناصر المثلث بتحليل عميق أو عنصرين اثنين، ومنها ما تناولت العناصر الثلاثة كلها استناداً على أن "معنى الكلمة هو إشارتها إلى شيء غير نفسها وهنا يوجد رأيان:

‌أ-       رأي يرى أن معنى الكلمة هو ما تشير إليه:  فدراسة المعنى على الرأي الأول تقتضي الاكتفاء بدراسة جانبين من المثلث وهما جانبا الرمز والمشار إليه.

‌ب-   رأي يرى أن معنى الكلمة هو العلاقة بين التعبير وما يشير إليه: وهنا تتطلب دراسة المعنى الإحاطة بالجوانب الثلاثة لأن الوصول إلى المشار إليه يكون عن طريق الفكرة أو الصورة الذهنية.

وعلى أساس هذا التقسيم نشأت نظريات المدلول التي تناولت أنواع الدلالة وأقسامها، كما برزت نظريات عكفت على دراسة الإشارة اللغوية وأحصت أقسامها، وفي إطارها نشأت فكرة العلامة أو السمة مما ساهم في ميلاد علم جديد هو علم العلامة أو السيميولوجيا.

 وأهم مبحث شكل عقبة كأداء أمام علم الدلالة هو دراسة الصورة الذهنية التي تتميز بالتجريد، أو "عالم المفاهيم" أو "العوالم الدلالية"، التي تمثل إحدى الدعامات الرئيسية في النظرية الإشارية.

 إن مصدر الدلالة يكمن بالأساس في المراجع الموجودة في العالم الخارجي وتبرز دلالة ما لصيغة معينة بواسطة مجموع العلائق المتشابكة بين جملة الأوضاع.

 يقول الدكتور الفاسي: "المكان الطبيعي للمعنى هو العالم الخارجي لأن المعنى يبرز في العلائق المطردة بين الأوضاع، والمعنى اللغوي يجب أن ينظر إليه في إطار هذه الصورة العامة للعالم، عالم مليء بالمعلومات وأجسام موفقة لالتقاط جزء من هذه المعلومات".

وحقيقة أن الدلالة لا يتم التعرف عليها معجمياً وإنما مروراً برصد جملة العلائق التي تحددها الأوضاع في العالم الخارجي، إذن "الفكرة الرائدة في دلالة الأوضاع هي أن معنى جملة يتحدد بعلاقة الكلام والوضع الموصوف".

وتدعيماً للنظرية الإشارية التي حصل توسع في مفهومها لاحظ العالم اللغوي (بوتمن) putman أن عالم المفاهيم المودع في العالم الخارجي أضخم بكثير مما هو في الرأس فالمفاهيم هي الأساس الذي انبنت عليه نظرية الأوضاع التي تنظر إلى المعنى أنه علاقة بين الكلام المنتج والأوضاع الموصوفة.

 وهذه النظرية ترتكز كذلك على الدلالة الخارجية للغة وانصهار المعلومات اللغوية ضمن التيار المعلوماتي، وما دفع إلى القول بذلك، أن المعنى لا يتموضع في العالم الخارجي ولا في النفس وإنما يتموضع في عالم المفاهيم كما ذهب إلى ذلك العالم اللغوي (فريجة) الذي اعتبر المفاهيم هي الوسيط الذي يربط العناصر الثلاثة: الأذهان تمسك بالمفاهيم، والكلمات تعبر عنها، والأشياء يحل عليها بواسطتها.

 

 

 

 

02-                      النظرية التصورية:

إذا كانت النظرية الإشارية قد عكفت على دراسة الإشارة كأساس للولوج إلى دراسة ما يتعلق بها من عناصر المعنى، فإن النظرية التصورية ترتكز على مبدأ التصور الذي يمثله المعنى الموجود في الذهن.

وتسمى أيضا النظرية الفكرية لأن "الكلمة تشير إلى فكرة في الذهن وأن هذه الفكرة هي معنى الكلمة.

إذ تَعتبر النظرية التصورية "المعنى موضوعًا نفسيًّا، وأن بناء معاني التعابير اللغوية ليس إلا جزءًا من العمليات النفسية أو الذهنية التي تقوم عليها القدرة اللغوية الباطنية لدى المتكلم.

بمعنى أن المعنى هو تلك الصورة الذهنية التي تكون في الذهن عن ذلك الشيء.

مثال الأعمى الذي يستخدم العصا قصد اللمس المتتالي لعدد من أجزاء شيء فيزيائي كالمكعب، وبَيَّنَ من خلال هذا المثال أن السلسلة من اللمسات تسمح للأعمى ببناء صورة لمكعب في ذهنه، دون أن يعني ذلك أن صورةَ المكعب منطبعة فيه، بمعنى أن الذهن يَبني بواسطة مصادره ومبادئه البنيوية الخاصة تمثيلًا ذهنيًّا، انطلاقًا مِن هذه المتوالية من المنبِّهات اللمسية.

إن عالم الأفكار عالم مستقل بذاته فالدلالات واحدة في جميع اللغات وإنما الاختلاف أتى من تباين الألسنة،

وذهب علماء الألسنية المحدثون إلى افتراض وجود عوالم دلالية يجب البحث عن معالمها وسننها بناء على البنية الدلالية حتى أن اللغويين المتأخرين اعتبروا أن التصورات والأفكار هي كيان مستقل قد يستغني عن اللغة إذا أراد الأفراد ذلك.

 يقول د. أحمد مختار عمر: "الأفكار التي تدور في أذهاننا تملك وجودا مستقلا. ووظيفة مستقلة عن اللغة وإذا قنع كل منا بالاحتفاظ بأفكاره لنفسه كان من الممكن الاستغناء عن اللغة".

ولكن ما دام أن النظرية التصورية تعتبر أن المعنى هو التصور الذي يحمله المتكلم ويحصل للسامع حتى يتم التواصل والإبلاغ، فإن عالم الأشياء غير متجانس،

 كما أن التصورات متباينة من فرد لآخر، فتصور "شجرة" مثلاً، يحمل جملة من الدلالات المختلفة اختلافاً قد يكثر أو يقل بحسب وجود هذا التصور داخل عالم الأشياء،

 كما أن هناك كلمات لا تحمل تصوراً باعتبارها لا تنتمي لعالم الأشياء كالأدوات والحروف وما إلى ذلك. "وقد كان رفض النظرية التصورية، للمآخذ التي ذكرنا، وغيرها.



[1] "- مدرسة براغ" . أصبح هذا النادي فيما بعد يعرف بالمدرسة الفونيمية، وهي تضم عددا من الباحثين الكبار فمن أقطابها: تروبتسكوي، وجاكبسون، وكارسفسكي، وهولر من النمسا، والفرنسي أندري مارتيني... وغيرهم، وقد كان لأفكار دي سوسير الأثر الكبير في بروز هذا الاتجاه اللساني الذي تميز ((بدراسة نظام اللغة الكلي بمستوياته المختلفة النحوية والصوتية والصرفية والدلالية)) ،

[2] - مؤ ّسس هذه المدرسة : الدانماركي لويس يلمسالف Hjelmslev Louis صاحب النّظريّة البنيويّة التحليلية "الرياضيات اللغويّة"، و قد حرص على وضع نظريّة بنيويّة علميّة وصفيّة شموليّة للظاهرة اللغويّة ، بناها على مقّدمات منطقيّة و مبادئ معرفيّة تفسيريّة.

[3] - "اللغة ليست مادة و انما  هي صورة او شكل . جميع اللغات تشترك  في انها تعبر عن محتوى.  يوضع لتحليل اللغة  نظرية صورية تصدق على جميع اللغات

[4] نركز اهتمامنا على الجانب الشكلي للمحتوى و التعبير ونهمل المادة  أي الأصوات  مادامت لا تحدد النظام اللغوي  و من هنا فان الدليل اللغوي هو ما تضمن إشارة الى :-شكل التعبير – شكل المحتوى

[5] معظم الوحدات الدلالية تقع في مجاورة وحدات أخرى. و إن معاني هذه الوحدات لا يمكن وصفُها أو تحديدها إلا بملاحظة الوحدات الأخرى التي تقع مجاورة لها

[6]الحقل الدلالي يتكوّن من مجموعة من المعاني ِأو الكلمات المتقاربة التي تتميّز بوجود عناصر أو ملامح دلالية مشتركة، وبذلك تكتسب الكلمة معناها في علاقاتها بالكلمات الأخرى، لأنَّ الكلمة لا معنى لها بمفردها، بل إنَّ معناها يتحدّد ببحثها مع أقرب الكلمات إليها في إطار مجموعة واحدة

[7] في العربية كلمة (رجل) تحتوي على المؤلّفات التالية:ذكر + بالغ+ بشري .وكلمة (امرأة)، لا تختلف عن (رجل)، إلا من حيث الذكورة .أو                              : رجل = اسم/ محسوس/ معدود/ حي/ بشري/ ذكر/ بالغ...امرأة = اسم/ محسوس/ معدود/حي/بشري/ أنثى/ بالغ...

هناك تعليق واحد:

  1. سلام الله عليكم احتاج محاضرات علم الدلالة العربي اكلها الرابعة والخامسة والسادسة

    ردحذف