التسمية

اللّسَانُ السّابِعissane7L

آخر المنشورات:

التجريد النظري الخالص للشعرية العربية:

 

التجريد النظري الخالص:

وهذا الأمر هو ما يقع فيه بعض دارسي الشعرية العربية، نتيجة التنظير غير المستند إلى واقع النص. حيث أن غلبة الفكر الغربي المترجم في هذا الباب أدت بالدارسين إلى محاولة مجاراة هذا الفكر، من خلال تطبيق افتراضاته النقدية وبناه الفلسفية على النص العربي، ومحاكمة الفكر النقدي العربي قياساً إلى ذلك الفكر، ومكمن الخطر في هذه المحاولة هو سيطرة المقولات الفكرية والنقدية الغربية على الدارس، ووقوعه تحت أسْرها، مما يقود إلى عدم الانتباه إلى خصوصية هذه المقولات، وانطباق افتراضاتها على النص الغربي فحسب. لأن تطبيقها يلغي خصيصة ماثلة في النص الشعري، وتعميمها عليه يؤدي إلى النتيجة نفسها. ذلك أن خصوصية اللغة التي يقال بها ذلك النص، تبقى هي الخصيصة الماثلة. ويمكن ملاحظة أن الاستلاب الذي يعانيه التنظير في الشعرية العربية، يجعل من مقولات هذا التنظير، إما رجع صدى للآخر الغريب، أو انشاءً غائماً يطالب بما لا وجود له، معتمداً على لغة مثيرة في دعاواها، وبناءً تلفيقياً يسعى إلى عقد مصالحة غير منطقية، بين لغة النص وفكر الآخر، الأمر الذي يجعل من الشعرية العربية، صورة هشة مشوهة من الشعرية الغربية، وهو ما أثبت النص العربي ـ قديماً وحديثاً ـ عدم صحته، وقلة جدواه بل وخطره.

إن منعم النظر في تنظير، أدونيس، وكمال أبو ديب، ومحمد الأسعد وغيرهم من الدارسين أو النقاد، يجد ضبابية الرؤية واضحة في مقولاتهم، لأنها تخضع لمقولات فكرية واتجاهات ذات أحكام قبلية أكثر من خضوعها الواجب لمعطيات النص، فليس هناك استقراء علمي لماهية الشعرية العربية في النص الشعري العربي، بل تطبيق متعسف انتقائي لمقولات جاهزة عن مفهومات الشعرية. يجد هؤلاء صدى لها في نصوص بعينها، فيعممون الخاص/ الشاذ، جاعلين منه قاعدة واجبة التقليد، متجاهلين واقع النص، غير مفسرين قدرته على البث والدوام، أو أسراره الفنية التي جعلته مقبولاً لدى المتلقين ـ على اختلاف مشاربهم ـ هذه المدة الطويلة. فمفهومات مثل: "الاستعارة، الفجوة، تثوير اللغة، الخ." بقيت عائمة في الوعي النقدي لهؤلاء الدارسين، ولم تجد قرارها على الرغم من وجاهة بعضها، وذلك عائد إلى إيمانهم بأحاديّة العنصر الفاعل في النص، وإهمالهم العناصر الأخرى، ولعل وقوف، د. صلاح فضل أمام قول ذي الرمة الخالي من الاستعارة أو عناصر الشعرية كما يطرحها هؤلاء الدارسون يؤكد ما ذهبنا إليه لأن النص ممتلئ بالشعرية، على خلوه من عناصرها المزعومة!!([1])

وخلاصة القول في هذا الأمر، أن النظر التجريدي الخالص مهما كانت براعته الثقافية وعمقه الفلسفي، لا يمكن أن يفسر ـ وحده ـ الشعرية العربية، ما لم تدعمه النصوص الشعرية بعمومها، وما لم ينطلق من وعي خاص، بأن لهذه الشعرية خصائص وعناصر ليس من الواجب أبداً، أن تتطابق مع خصائص الشعرية الغربية وعناصرها.



([1]) علم الأسلوب، مبادئه وإجراءاته، صلاح فضل، 326.

ليست هناك تعليقات