التسمية

اللّسَانُ السّابِعissane7L

آخر المنشورات:

السلسلة الأولى لتطبيقات مقياس اللغة العربية وعلم اللهجات "أولى ماستر" للموسم 2022/2023:

 

المستوى: أولى ماستر  لسانيات عربية   السداسي: 02.     المقياس: اللغة العربية وعلم اللهجات .     د. جلول تهامي.

السلسلة الأولى لتطبيقات مقياس اللغة العربية وعلم اللهجات  "أولى ماستر"  للموسم 2022/2023:

توطئة:

قول لأحمد بن فارس :

أجمع علماؤنا بكلام العرب، والرواة لأشعارهم، والعلماء بلغاتهم وأيامهم ومحالِّهم: أن قريشاً أفصح العرب ألسنةً، وأصفاهم لغة، وذلك أن الله سبحانه اختارهم من جميع العرب واصطفاهم، واختار منهم نبيَّه محمداً صلى الله عليه وسلم.

كانت قريش أجود العرب انتقاءاً للأفصح من الألفاظ، وأسهلها على اللسان عند النطق بها، وأحسنها مسموعاً، وأبينها إبانةً عمَّا في النفس.  والذين عنهم نقلت اللغة العربية، وبهم اقتُدِي، وعنهم أُخذ اللسان العربي -من بين قبائل العرب- هم: قيس، وتميم، وأسد، فإن هؤلاء هم الذين عنهم أكثر ما أُخذ ومُعظمه. وعليهم اتكل في الغريب، وفي الإعراب والتصريف، ثم هُذَيْل، وبعض كنانة، وبعض الطائِيِّينَ، ولم يؤخذ عن غيرهم من سائر قبائلهم.

أما قريش فلا ترى في كلامها:

عَنْعَنَةَ تميم: قلبهم الهمزة في بعض كلامهم عيناً.

ولا كَشْكَشَة أسد: إلحاق الشين بكاف المخاطبة أو جعل الشين مكان الكاف "منك= منش".

ولا كَسْكَسَةَ ربيعة: وهي أن يزيدوا بعد كاف المؤنثة سيناً فيقولون :أعطيتكس  بدلا من  أعطيتك.

ولا الكَسْرَ الذي تسمعه من أسد، وقيس مثل: يِعْلَمُون ونِعْلَم، ومثل: شِعير وبِعير؟. وتسمى التلتلة.

وبالجملة فإنه لم يؤخذ عن حضري ولا عن سكان البراري ممن كان يسكن أطرافَ بلادهم سائرُ الأمم الذين حولهم:

فلم يؤخذ عن لخم،ولا عن  جذام، ولا من قضاعة،ولا من غسان، ولا من إياد، ولا من ثغلب ولا من بكر، ولا من عبد قيس، ولا من أزد عمان، ولامن أهل اليمن لمخالطتهم الحبشة……إلخ.

هذا التصنيف حاز القبول وجرى عليه العمل وكان الخروج عليه مدعاة للنقد:

فلما اعتمد ابن مالك على لغات لخم وجذام  وغسان تعقبه باللوم أبو حيان في شرح التسهيل فقال: "ليس ذلك من عادة أئمة هذا الشأن".

وكان أبو عمرو بن العلاء يقول: لا أقول قالت العرب إلا ما سمعت من عالية السافلة وسافلة العالية يريد ما بين نجد وجبال الحجاز حيث قبائل أسد وتميم وبعض قبائل قيس.

وكان عثمان يقول: لا يملين في مصاحفنا إلا غلمان قريش وثقيف.

وأما أحوال هؤلاء العرب المحتج بكلامهم فخيرها ما كان أعمق في التبدي وألصق بعيشة البادية فمما يفخر به البصريون على الكوفيين أخذهم عن الأعراب أهل الشيح  والقيصوم وحرشة الضباب وأكلة اليرابيع  ويقولون للكوفيين أخذتم عن أكلة الشواريز وباعة الكواميخ.

 

أمثلة عن لغات العرب:

الاستنطاء:

وهو جعل العين الساكنة نونًا، فيقولون: أنطى بدلاً من أعطى.

 وقرئ قوله - تعالى -: ﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ [الكوثر: 1]، إنا أنطيناك الكوثر،

 وورد الحديث الشريف: ((اللهم لا مانع لما أنطَيْتَ، و لا منطي لما منعت))،

وورد كذلك في الحديث النبوي الشريف: ((اليد المُنْطِية خير من اليد السفلى)).

• إما أن يكون الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد تكلَّم بهذه اللهجة، مراعيًا لهجة مَن كان يخاطبه؛ لأنه - عليه الصلاة والسلام - كان يكلِّم الأقوام كلاًّ على لغته.

• وإما أن يكون الذي نقل هذا الحديث من أصحاب لهجة الاستنطاء، وروَى الحديث بلهجته، لا كما سمِعها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي كان يتكلَّم بلهجة قريش.

 

 الطمطمانية:

وهي إبدال لام التعريف ميمًا، فيقولون مثلاً: طاب امهواء، وصفا امجو، يَعْنون بذلك: طاب الهواء، وصفا الجو.

 ويروى أن رجلا جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بين صحابته، فقال له: يا رسول الله، أمِن امبر امصيام في امسفر؟ فردَّ عليه - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((ليس من امبر امصيام في امسفر))، فقال له صحابته - رضي الله عنهم -: يا رسول الله، ماذا قال لك، وماذا قلت له؟ فقال: قال: أمن البر الصيام في السفر؟ فأجبته: ليس من البر الصيام في السفر.

 

الفحفحة:

لهجة هُذَيل):وهي قلب الحاء عينًا في (حتى وكانت هذه اللهجة في مصحف عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - أحدِ القرَّاء الأربعة المشهورين؛ لأن عبدالله بن مسعود كان من قبيلة هُذَيل.

 

قول للفرابي:

"وأنت تتبين ذلك متى تأملت أمر العرب في هذه الأشياء. فإن فيهم سكان البراري وفيهم سكان الأمصار. وأكثر ما تشاغلوا بذلك من سنة تسعين إلى مائتين. وكان الذي تولى ذلك منهم من بين الأمصار أهل الكوفة والبصرة من أرض العراق. فتعلموا لغتهم والفصيح منها من سكان البراري منهم دون الحضر، ثم من سكان البراري من كان في أواسط بلادهم ومن أشدهم توحشًا وجفاء وأبعدهم إذعانًا وانقيادا، وهم قيس وتميم وأسد وطيء ثم هذيل، فإن هؤلاء هم معظم من نقل عنه لسان العرب. والباقون فلم يؤخذ عنهم شيء لأنهم كانوا في أطراف بلادهم مخالطين لغيرهم من الأمم مطبوعين على سرعة انقياد ألسنتهم لألفاظ سائر الأمم المطيفة بهم من الحبشة والهند والفرس والسريانيين وأهل الشام وأهل مصر"

اللغة واللهجة:

عرف ابن جني اللّغة بقوله: "اللغة أصوات يعبّر بها كل قوم عن أغراضهم" وإن كان بعض الباحثين اللغويين المحدثين يرون أن اللغة لا تقتصر فقط على الوظيفة التعبيرية التواصلية، بقدر ما تدخل فيها وظائف أخرى يستفاد منها المعنى المراد كنظام العلامات والرموز والإشارات والإيماءات... إلخ.

 أما دي سوسير فيرى أن اللغة هي كل ما يمكن أن يدخل في نطاق النشاط اللغوي؛ من رمز صوتي، أو كتابي، أو إشارة؛ أي أن اللغة تعني الكيان العام الذي يضم النشاط اللغوي الإنساني في صورة ثقافية؛ منطوقة، أو مكتوبة، معاصرة أو متوارثة.

ابن خلدون (ت 808هـ) اللغة عنده عبارة المتكلّم عن مقصوده، وتلك العبارة فعل لساني ناشئ عن القصد بإفادة الكلام فلا بد أن تصير ملكة متقرّرة في العضو الفاعل لها، وهو اللسان، وهو في كل أمة بحسب اصطلاحاتها.

جاء في معجم العين: «اللهجة: طرف اللسان، ويقال: جرس الكلام، ويقال: فصيح اللهْجة واللهَجة، وهي لغته التي جبل عليها فاعتادها ونشأ عليها». فالخليل هنا يعرف اللهجة تعريفا اصطلاحيا، ويجعلها معادلا للغة.

ابن فارس صاحب مقاييس اللغة صرح بهذه المساواة بين اللغة واللهجة: «واللهجة: اللسان، بما ينطق به من الكلام. وسميت لهجة لأن كلا يلهج بلغته وكلامه». وهذا يدل على أن العرب قديما كانوا يستعملون مصطلح اللهجة للتعبير عن اللغة.

يتبين من خلال هذه التعاريف أنهم على الأرجح لم يميزوا بين المصطلحين اللغة واللهجة، ويبدو أن ما يصطلح عليه اليوم بـ «لهجة» كان يطلق عليه القدماء «اللغة « فقد وصفوا الاختلافات اللهجية بين القبائل العربية بأنها لغات. اللهجة أو الدارجة أو العاميّة فَمُنَوَّعَةٌ لِسانية[1] تمثل فرعا من أصل، وجزءا من كل، وطريقةً أداء خاصة لما هو عام في لسان عشيرة لغوية معيّنة، فهي وإن كان تعريف ابن جني (ت 392 هـ) السابق ينطبق عليها لكونها وسيلة للتخاطب قصد تحقيق أغراض معينة، فهي: «مجموعة الصفات اللغوية التي تنتمي إلى بيئة خاصة، يشترك في التحدث بها أفراد وعشائر بشرية معيّنة».

عرف إبراهيم أنيس اللهجة بأنها: مجموعة من الصفات اللغوية التي تنتمي إلى بيئة خاصة، ويشترك في هذه الصفات جميع أفراد هذه البيئة. وبيئة اللهجة هي جزء من بيئة أوسع وأشمل تضم عدة لهجات. لكل منها خصائصها، ولكنها تشترك جميعا في مجموعة من الظواهر اللغوية وتلك البيئة الشاملة التي تتألف من عدة لهجات هي التي اصطلح على تسميتها باللغة.

بمعنى آخر اللهجة هي لغة الإنسان التي جبل عليها واعتادها ونشأ عليها، وقد أطلقت اللهجة على اللسان أو طرفه فهو آلة التحدث بها، إنها طريقة معينة في الاستعمال اللغوي توجد في بيئة خاصة من بيئات اللغة الواحدة، لذا يمكن القول انها عادات كلامية لمجموعة قليلة من الناس ضمن مجموعة أكبر تتكلم لغة واحدة.

 ويعرف محمد محمد داود اللهجة بكونها: نمط من الاستخدام اللغوي داخل اللغة الواحدة يتميز عن غيره من الأنماط داخل نفس اللغة بجملة من الخصائص اللغوية الخاصة، ويشترك معها في جملة من الخصائص.

مفهوم اللغة واللهجة عند اللغويين العرب المحدثين

يفصل عبد الوهاب حمودات في هذا التعالق المفهومي بين اللهجة واللغة بقوله:

أما اللهجة: فهي أسلوب أداء الكلمة إلى السامع مثل إمالة الفتحة والألف أو تفخيمهما، ومثل تسهيل الهمزة أو تحقيقها. فهي محصورة في جرس الألفاظ، وصوت الكلمات، وكل ما يتعلق بالأصوات وطبيعتها، وكيفية أدائها.

وأمااللغة: يراد بها الألفاظ التي تدل على المعاني: من أسماء وأفعال وحروف. ويراد بها النحو، وهو طريق تأليف الكلمات وإعرابها للدلالة على المقصود، وكذا يراد بها كل ما يتعلق باشتقاق الكلمات وتوليدها وبنية الكلمات ونسجها غير أن اللهجة قد تتميز بقليل من الخصائص التي ترجع إلى بنية الكلمات ونسجها أو معاني بعض الكلمات ودلالتها. ومتى كثرت هذه الصفات، بعدت اللهجة عن أخواتها حتى تصبح اللهجة لغة قائمة بذاتها.

اللهجة عند المحدثين تدل على مجموعة من السمات النطقية التي تميز جماعة من المتكلمين عن غيرهم من متكلمي اللغة نفسها. كما يفهم من تعاريف اللغويين العرب المحدثين أن اللغة تتشعب إلى لهجات، غير أن اللهجة قد تستقل وتشيع حتى تصير لغة.

المفاضلة بين اللغة واللهجة:

اللغة واللهجة يشكلان ملامح الهوية الفردية والجماعية وينميان العلاقات مع الآخرين إضافة إلى الإحالة على الأصل الطبقي والعرقي والديني والجغرافي.

إن الخطاب اللغوي يحمل معه زيادة على مضمونه المتمثل في التبليغ والتخاطب فوائد أخرى عديدة لا يُعثر عليها إلا في كلام الكائن الناطق، انه يتضمن معلومات ثمينة يبلغها إلى السامع الذي يستطيع أن يعرف من جرس صوت الناطق زيادة على جنسه وسنه حالاته الصحية والمناطق الجغرافية التي ينتسب إليها والطبقة الاجتماعية التي أثرت فيه. فمن طريقة كلامنا ولهجتنا إذا نشكل تصوراتنا عن هويات بعضنا البعض.

 وفي هذا السياق يقول جون جوزيف: إن اتصالنا بالناس في عدد كبير من الحالات لغوي بحث يجري عبر الهاتف أو الانترنت والرسالة أو عبر قراءتهم بوصفهم شخصيات في كتاب إلى غير ذلك وتحت هذه الظروف يبدو أننا قادرون على تفحصهم وعلى معرفة ماهيتهم حقا - معرفة تلك الهوية الخفية مرة أخرى – بشكل مرض أكثر مما لو اكتفينا برؤيتهم ولم يحصل بيننا أي اتصال لغوي.

إن تفضيل اللغة على اللهجة أو العكس مرده إلى عوامل سياسية بحتة، فالساسة والحكام يعدلون خطاباتهم بشكل يحقق مآربهم وأغراضهم السياسية عبر إضفاء أو تجريد أحاديثهم من كل المظاهر الصوتية والصرفية والمعجمية حتى يقبل بها المخاطب وتكون مفهومة لديه، فقد يخاطب السياسي فئة بلهجتها ويضفي علي نفسه أساليب وحجج بغرض الإقحام والإقناع.

 كما تلعب وسائل الإعلام دورا أساسيا في تشكيل لغة عامة يفهمها الجميع للتأثير في المتلقين ودفعهم إلى الفعل، فاللهجات تتوحد لتشكل لغة عامة. ويمكن للمجموعة ان تتخلى عن لهجتها من خلال العلم والثقافة والدين لتتوجه صوب لغة موحدة (بكسر الحاء) وموحدة (بفتح الحاء).

 



[1] مصطلح «مُنَوَّعَةٌ لِسانيّة = Linguistic variety / Variété linguistique: من المصطلحات اللسانية الحديثة

ليست هناك تعليقات