المحاضرة الرابعة لمقياس المقاربات النقدية المعاصرة ثانية ليسانس "د أ،د نق، د لغ" للموسم 2022/2023:
المحاضرة الرابعة لمقياس المقاربات النقدية المعاصرة ثانية ليسانس "د أ،د نق، د لغ" للموسم 2022/2023:
01_ النقد
البنيوي التكويني:
البنيوية التكوينية هي أحد الاتجاهات الكبرى للبنيوية نشأت استجابة
لسعي بعض المفكرين والنقاد الماركسيين للتوفيق بين ما تطرحه البنيوية في صيغتها
الشكلانية وبين أسس
الفكر الماركسي
أو الجدلي في تركيزه على التفسير المادي الواقعي للفكر والثقافة عموما[1].
وتعرف بأنها "منهجية
تحاول البحث عن العلاقات الرابطة بين الأثر الأدبي وسياقه الاجتماعي الاقتصادي
الذي سبق تكوينه. ولا تنظر إلى هذه العلاقات على أنها مجرد تواز بسيط بين الأثر
الأدبي وبين شروط إنتاجه الاجتماعية والاقتصادية، وإنما تعتبرها اندماجا تدريجيا
بين سلسلة من الجمل أو الكليات النسبية،
فهي رؤية نقدية تبحث عن البنيات الاجتماعية الدالة في النص.
مقولات النقد التكويني:
أ - البنية الدلالية:
لقد أنقذت البنيوية التكوينية البنيوية الشكلية من انغلاقها عندما
اخترقت الدراسة النصية إلى ما وراءها من مؤثرات ثقافية واجتماعية وتاريخية، في
محاولة لربط الإنتاج الأدبي بالجماعة التي أنتجته بمعنى أنّ البنية في النقد
البنيوي هي بنية منغلقة على ذاتها، بينما هي في النقد التكويني هي بنية منفتحة على
السياق الخارجي، "فلا تفهم بحد ذاتها خارج الزمان والمكان، وإنّما تفهم من
خلال تحرّكها وتفاعلها وتنافرها داخل وضع محدّد زمانيا ومكانيا".
ب- مقولة الكلية:
يرى (( غولدمان)) أنّ أيّ أثر إبداعي لا يكتسي دلالته الحقيقة إلا عند
اندماجه في نسق الحياة أو السلوك. زد على ذلك أنّه لا يكون السلوك الذي يوضح الأثر هو
غالبا سلوك
الكاتب نفسه، بل سلوك الفئة الاجتماعية التي لا ينتمي إليها الكاتب بالضرورة، لأنّ
المبدع مهما توخّى الذاتية في إبداعه هو محكوم دائما بالتعبير عن انتمائه إلى فئته الاجتماعية.
ج- رؤية العالم : تعتبر مقولة (( رؤية العالم)) مفتاح نظرية
((غولدمان))، يعرّفها قائلا:" إنها مجموع القضايا والحلول التي تظهر في
المستوى الأول عن طريق الخلق بواسطة الكلمات، مما يعني أنّها تتعدى كونها رؤية
فردية إلى أنّها فهم المبدع و إدراكه للعالم الذي يترجمه عن طريق الخلق باللغة[2].
فالبنية الدلالية تشرح النص و تفسّره، و رؤية العالم تفهمه و تصفه في إطاره
الاجتماعي المتميز.
آليات النقد التكويني:
الفهم: يقصد بالفهم عملية فكرية تتمثل في وصف الشيء
المدروس حتى يتسنى للباحث استخراج نموذج بنيوي دال، ومهمة هذه العملية هي توضيح
((البنية الدلالية)) البسيطة نسبيا والمحايثة للأثر الأدبي. يمكن أن نسمي هذه
العملية بـ(اكتشاف البنية السطحية) للعمل الأدبي.
التفسير : مهمة عملية التفسير إقامة العلاقة بين الأثر الأدبي و
الواقع الخارجي، فرغم أن رائد البنيوية التكوينية((غولدمان)) لم ينكر أهمية المؤلف
و محيطه في تفسير النص، إلا أنّه لم يعطه المرتبة الأولى في التفسير ، بل اعتبره
واسطة ضرورية لتفسير تكوّن النص الأدبي، مع الأخذ بعين الاعتبار بأن مسألة تكوّن
الأثر الأدبي لا تتضح من ربط العلاقة بين مضمون النص و الوعي الجماعي، و لكن
بإقامة العلاقة بين البنيات الدلالية وبين البنيات الذهنية المكونة للوعي الجماعي
لفئة أو طبقة اجتماعية. فإذا كان الفهم هو قراءة لأجل استخراج البنية أو البنيات
الدلالية البسيطة للنّص الأدبي؛ فإنّ التفسير هو قراءة لأجل إيجاد العلاقة بين هذه
البينة والوعي الجماعي . يمكن أن نسمّي هذه العملية باكتشاف البنية العميقة للنّص
الأدبي.
منهج ((غولدمان)) في التحليل
البنيوي التكويني:
§
دراسة ما هو
جوهري في النص، عن طريق عزل بعض العناصر الجزئية في السياق، و جعلها كلية مستقلة.
§
إدخال العناصر
الجزئية في الكلية، علما أنّنا لا نستطيع الوصول إلى كلية لا تكون هي نفسها عنصرا
أو جزءا، فجزئيات العالم مرتبطة ببعضها؛ فمن المستحيل معرفة كلية دون أخرى، أو من
دون معرفة الكل.
§
دمج العمل
الأدبي في الحياة الشخصية للمبدع.
§
إلقاء الأضواء على خلفية النّص الاجتماعية التي
ينتمي إليها الكاتب. مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ الوعي الجماعي ليس حقيقة أولية، و
لا حقيقة مستقلة، بل هو وعي يتكوّن ضمنيا ضمن السلوك العام للأفراد المشاركين في
الحياة الاقتصادية والاجتماعية و السياسية ... فيغدو العمل عظيما إذا عبّر عن الطموحات
القصوى للجماعة التي استعار منها مضامينه.
02_ النقد
النفسي:
النقد النفسي هو أن تفسّر
الأدب و نفسية صاحبه بالاستناد إلى الأطر المفهومية و الأسس العلمية التي لعلم النفس، وينتهي هذا النقد إلى أن الإبداع
الأدبي ليس إلا حالة خاصة قابلة للتحليل، لأنّ كلّ عمل فنّي ينتج عن سبب نفسي.
يولي التحليل النفسي عنايته بكل من المؤلف و النص و القارئ:
o يهتم بدءا بالمبدع ؛ فيربط بين إنتاجه وتاريخه الشخصي أي مجموعة
الخبرات المتراكمة لديه منذ الطفولة التي تكوّنت
فيها جل
استجاباته، و مشاعره، و توتراته ... و حتّى مختلف عقده النفسية.
o
الاهتمام بالنَّص الذي
يعدّ الوثيقة النفسية المدونة التي تمكن من الوصول إلى نفسية الأديب الإبداعية
والعصابية في نفس الوقت.
o اقتفاء أثر النص في نفسية القارئ حتى يؤكد فرضيات وضعها في البداية
عن دوافع الإبداع النفسية بمقارنتها مع حالات متشابهة من القراء أو ينفيها.
والمنهج النفسي بدأ بشكل علمي
مع علم النفس، في نهاية القرن (19م) بصدور مؤلفات (فرويد) في التحليل
النفسي .
الأدوات المعرفية للمنهج النفسي:
هناك أسس و أدوات معرفية لا يستغني عنها الناقد النفسي، يتوسّل بها
حتى يدخل عوالم النص
هي
أ- النشاط النفسي موزع بين ثلاث قوى؛
ü
ال"هو" : هو المكون البدائي الغريزي
في الشخصية أو منطقة
اللاوعي. يتكون من جميع المكونات البيولوجية للشخصية التي تولد مع الإنسان،
بما في ذلك غريزة الجنس (الحياة)، وغريزة
(الموت) العدوانية. لتحقيق اللّذة
بشكل عفوي لاشعوري متجاوزة بذلك أي اعتبار أو أي قانون.
ü
ال"أنا": ذلك
الجزء من النفسية الذي تم تعديله بالتأثير المباشر
للعالم الخارجي.
ü
الأنا الأعلى:
هو الرقيب الاجتماعي ممثلا في العادات و العرف و التقاليد والرقيب الديني. تعمل
هذه المنطقة كوسيط بين الشعور و اللاشعور.
ب- الأدب كالحلم: الحلم في علم النفس مظهر من مظاهر اللاشعور الفردي عند
((فرويد))، الفنان والمبدع كالعصابي ينسحب من الواقع إلى الخيال، غير أنّ المبدع
يعرف كيف يرجع من الخيال إلى الواقع خلاف العصابي .
ج- "العمل
الأدبي ليس كلاما في جلسة تحليل، إنّه يقدم شكلا مرمزا لأنفسنا اللاواعية".
فالنص هو ما يتشابك
فيه الشعور مع اللاشعور لبنائه، لذا فالتأويل أهم الأدوات الإجرائية في التحليل
النفسي، إذ يعمد إلى جمع الدلائل المجهولة الخفية أو المهملة، ثم تصنيفها و ربطها
ببعضها البعض، فقد يكون الدليل حركة ما، كلمة، نبرة..... .
اتجاهات التحليل النفسي:
مدرسة فرويد:
اعتبر الأدب و الفن تعبيرا عن اللاوعي الفردي و مرآة
تظهر فيها تفاعلات الذات وصراعاتها الداخلية، اعتبر (فرويد) الأدب طريقة رمزية
للتعبير عن مكبوتات النفس البشرية، واستعان لشرح فكرته تلك ببعض الشخصيات الأدبية
التاريخية كـ (أوديب).
(أوديب) هو الرجل الذي فرّ من قدره لمواجهة قدره خوفا من تحقق تلك
النبؤة المخيفة بأنه سيقتل أباه و يتزوج أمه، تمضي الأحداث و الأيام و تتحقق
الرؤية ويقتل أوديب أباه ويتزوج أمه. و هنا مثار الحيرة و السؤال و الاستغراب: كيف
لأوديب أن يقتل رجلا في سنّ أبيه و هو فرّ أصلا حتى لا يقتل أباه، و كيف له أن
يتزوّج و هناك احتمال بأن يتزوج أمه؟.
مدرسة ((كارل يونغ)):
يرى ((يونغ)) أن الشخصية الإنسانية لا تقتصر حدودها على التجربة
الفردية، و إنّما تمتد لتستوعب التجربة الإنسانية
للجماعة الموغلة في القدم، إن هذه الشخصية تحتفظ في قراراتها بالنماذج و الأنماط
العليا التي تختمر في الثقافة الإنسانية عبر الأجيال المختلفة. لذا يُعزى الفضل
لـ(( يونغ )) في إثارته لمفهومين أساسيين في التحليل النفسي هما: النماذج العليا واللاشعور
الجمعي.
أ- النماذج العليا:
هي صورة ابتدائية لا شعورية أو رواسب نفسية لتجارب ابتدائية لا
شعورية لا تحصى، تشارك فيها الأسلاف في عصور بدائية و قد ورثت في أجهزة الدماغ
بطريقة ما، فهي نماذج أساسية قديمة لتجربة انسانية مركزية، تقع هذه النماذج في
جذور كلّ شعر أو فنّ آخر ذي طبيعة خاصة ... تشكل هذه النماذج هاجسا يدور حول قضية
محورية منذ فجر التاريخ
لذا تعد الأساطير أهم هذه النماذج باعتبار أنها بؤرة التفكير البدائي الذي جسد
فيه الانسان رؤيته و فهمه للكون بطريقة رمزية.
ب-اللاشعور الجمعي:
اللاشعور الجمعي استعداد فطري مترسب عبر الوعي الجماعي أو هو ذاك
المخزون الفكري و السلوكي الذي اكتسبه الفرد من معتقدات جماعته و ترسبت في لا
شعوره الفردي، فهناك معتقدات دفينة تسكن كل انسان لا يستطيع الخروج منها رغم
يقينيته بأنها خاطئة أو بالأحرى لا تخضع لأيّ أساس علمي مثبت، أخذت مصداقيتها بعد
أن أصبحت قصصا تداولتها الأجيال ثم ادعت صحتها من التكرار و التجربة.
[1] تُعد من مناهج ما بعد البنيوية، حيث جاءت لسد ثغرات المنهج
البنيوي إذ أنّها تجمع ما بين البعد الاجتماعي والبعد اللغوي.
[2] تكمن أهميتها
عندما ندرك أنّ الثقافة والوعي و الأدب و الفنّ و الفلسفة؛ تشكّل جزءا من العلاقات
الاجتماعية، و أنّ التفاعل بينها و بين المجتمع لا يتم إدراكه إلا من خلال ((رؤية
العالم)). تظهر هذه الرؤية في الأدب عندما لا يستطيع المبدع الإغراق في ذاتيته فقط
بل يتجاوزها للتعبير عن رؤية الجماعة التي ينتمي إليها للعالم، فيتأثر المبدع بهذه
الرؤية و يعيد إخراجها بشكل جديد و كلما ازدادت قدرات المبدع ازداد اقترابه من تلك
الرؤية و صدق تمثيله لها . فرؤية العالم هي فهم للفهم و إدراك للإدراك و رؤية للرؤية، فهم المبدع لفهم مجتمعه
للعالم، و إدراك المبدع لإدراك مجتمعه للعالم، و رؤية المبدع لرؤية مجتمعه للعالم.
وهذا ما يتطلب حذقا جيدا من المبدع في ملاحظة و رصد و تفسير وعي مجتمعه.
ليست هناك تعليقات