المحاضرة الثالثة لمقياس المقاربات النقدية المعاصرة ثانية ليسانس "د أ،د نق، د لغ" للموسم 2022/2023:
المستوى: ثانية
ليسانس السداسي: 04.
المقياس: مقاربات نقدية معاصرة . د. جلول تهامي.
المحاضرة الثالثة لمقياس المقاربات النقدية المعاصرة ثانية ليسانس "د أ،د نق، د لغ" للموسم 2022/2023:
النقد
البنيوي:
تمهيد:
البنوية هي رؤية ابستمولوجية واسعة تمس كثيرا من المجالات المعرفية، هذا ما أدى
بالكثير من الدارسين إلى الحديث عن اتجاهات و أبعاد مختلفة للبنوية:
عبد السلام المسدي: تحدّث عن
البعد التكويني، البعد المنهجي، البعد الفلسفي، البعد المعرفي البعد المذهبي، البعد
التربوي، والبعد النقدي للبنوية .
زكرياء إبراهيم:
تحدّث عن البنوية اللغوية و البنوية الأنثروبولوجية، و البنوية السيكولوجية، و البنوية
الثقافية، والبنوية الماركسية.
وما يهمنا من هذه الاتجاهات
كلّها؛ الاتجاه النقدي في البنوية.
تعريف النقد البنيوي:
ترى البنوية أنّ الأدب هو بنية ضمن بنية أشمل فاللغة تحكمها قوانين و
شفرات محدّدة، و يصبح الأدب من هي هذا المنظور بالنسبة لأنواعه نظاما لغويا و
تتحوّل أنواعه بدورها إلى ممارسات فعلية يهيّئ لها الأدب قوانين و أنظمة تجعل هذه
الأنواع تأخذ صفاتها النوعية والأدبية ...فتسعى البنوية إلى تأسيس مثال أو أنموذج
"الأدب" نفسه على أنّه المرجع الخارجي للأعمال الفردية فلم يعد الأدب
حسب البنوية بحاجة إلى أي مساعدات خارجية (السياق) حتى يفهم ذاته لأنه قادر على
تحقيق ذلك بفضل النظام النسقي الذي يحكم بناءه.
البنية نسق من التحولات، له قوانينه الخاصة باعتباره نسقا، علما بأنّ من شأن هذا النسق
أن يظل قائما و يزداد ثراءً بفضل الدور الذي تقوم به تلك التحولات نفسها، دون أن
يكون من شأن هذه التحوّلات أن تخرج عن حدود ذلك النسق، أو أن تهيب بأية
عناصر أخرى تكون خارجة عنه.
تتحدد البنية من وحدات تساهم في تكوينها هي:
أ - الشمولية : تتشكّل البنية
من عناصر، ولكنّ هذه العناصر تخضع لقوانين تميّز المجموعة ككل؛ يمكن أن نشبه هذا
بلعبة الشطرنج التي تقوم على عناصر تختلف في الوظيفة والقيمة.
ب - التحوّل: البنية هي وحدة لغوية
غير ثابتة بل هي دائمة التحوّل وتظل تولد من داخلها بنى أخرى. والجملة الواحدة
تتمخض عنها آلاف الجمل. يحدث هذا دون الخروج عن نسق النّص و نظامه. مما يجعل
التغيير الناجم نوعا من الإثراء لا الإلغاء.
ت- التحكم الذاتي: لا تحتاج الجملة
إلى عامل خارجي لتحريكها، و لا إلى مقارنتها مع أي وجود عيني خارج عنها لكي يقرّر
مصداقيتها، و إنما تعتمد على أنظمتها اللغوية الخاصة بسياقها اللغوي. ما يعني أنّ
البنية مكتفية بذاتها و قادرة على أن تفهم نفسها بنفسها.
روافد النقد البنيوي:
الخلفية النقدية:
تمثلت في الإرث الشكلاني من خلال إثارته لمقولة (الأدبية) و
(استقلالية الأدب) و ما خلفه النقد الجديد من خلال مفاهيم أعلامه للأدب.
o فـ"باوند"
يرى أنّ الشاعر كالعالِم والشعر ما هو إلا نوع من الرياضيات[1].
o "جون كروانوم"
أقرّ أنّ هدف الشعر هو الشعر نفسه. فالشعر يستحقّ الدراسة لأنّه شعر وليس لأمر آخر.
o
"هيوم"
رفض الموضوع الشعري والتركيز على القصيدة وهو ما طبّقته البنوية في نقدها الأدبي.
الخلفية اللسانية:
لا يمكن أن ننكر ما قدمته اللسانيات للنقد البنيوي لأنّ "البنوية
في أصولها محاولة لتطبيق منهج علم اللغة العام على الأدب و نقده، و بالتحديد تطبيق
المنهج الذي طبقه العالم اللغوي (فرديناند دي سوسير) في دراسته للغة"، فاكتشاف
مفهوم البنية في علم اللغة دفع (بارت) و (تودوروف) و غيرهما إلى الكشف عن عناصر
النظام في الأدب خاصة ما تعلق بثنائية (اللغة الكلام)[2] و
(الدال المدلول).
مبادئ و أسس النقد البنيوي:
01- الأدب بنية مستقلة بذاتها:
ركّز النقد البنيوي
على الجوهر الداخلي للنّص الأدبي، و أكّد على ضرورة التعامل مع النّص دون أية
افتراضات سابقة، مثل علاقته بالمجتمع أو بالحقائق الفكرية أو بالأديب وأحواله
النفسية و الاجتماعية.
إذا كان الأمر كذلك من حقنا أن نسأل : كيف تم خلق الأدب إذن؟؛
"يتم خلق الأدب ابتداء من الأدب نفسه، أي دون الاعتماد على
الواقع المادي أو النفسي: لا يمكن صياغة قصيدة إلا بالاعتماد على قصائد أخرى، ولا
تأتي الرغبة في الكتابة إلا من خلال تجربة سابقة مع الأدب، فالأدب لا يستمد قوته
إلا من كل ما هو جديد في الأدب ليس إلا مادة قديمة صيغت مرة أخرى بطريقة تقتضي
تصنيفا جديدا " .
02-
البنية في
النقد البنيوي هي التي تجعل من الأدب أدبا:
يمكن الكشف عن البنية "من خلال التحليل المنهجي المنظم بل إن
هدف التحليل البنيوي هو التعرّف عليها لأجل معرفة قوانين التعبير الأدبي، و يتم
استظهار بنية النص من خلال كشف التشابه و التناظر والتعارض و التضاد والتوازي و
التجاور والتقابل بين المستويات النحوية و الإيقاعية و الأسلوبية و الحكائية، لأجل هذا
يعتبر البحث عن بنية النص من أهم أهداف النقد البنيوي.
03- موت المؤلف[3]:
لم يعد المؤلف يتمتّع بالميزات نفسها التي تمتّع بها في عصر هيمنة
النّص الكلاسيكي، فلا هو مبدع و لا هو عبقري[4]، وإنّما
هو مستخدم للغة التي يبتدعها، بل ورثها مثلما ورثها غيره، وما حيل الأعراف الأدبية
إلا دليل على كيفية وجود المعنى و تولّده نتيجة أمور خارجة عن المؤلف. إنّ الذي
يتكلّم هو اللغة حسب ((بارت))، ونحن تحت سيطرة اللغة حسب ((فوكو)) إذ يقول: يعتقد الرجال أنّ لغتهم هي
خادمتهم، ولا يدركون أنهم يخضعون هم أنفسهم لأَسرها من هنا جاء عنوان مقال
((فوكو)) حول المؤلف بصيغة السؤال غير المألوف ((ما هوالمؤلف؟)) وليس ((من هو
المؤلف؟))".
04-
رفض المجتمع:
ترفض البنوية البحث عن المجتمع داخل النص الأدبي.
05-
رفض التاريخ:
كما ترفض البحث عن التاريخ داخل النص الأدبي.
وقس على ذلك؛ إنّها ترفض البحث عن كلّ ما هو
خارج الأدب داخل النص الأدبي، وهي لا تبحث عن المؤلف وما يحيطه داخل النص الأدبي
لأنّ لها غاية وهدفا ووظيفة حدّدتها منذ البداية وهي معرفة بنية النص لتحقق هذه
الغاية كان لزاما عليها إبعاد كل المؤثرات الخارجية التي تحيط بالنّص.
البنوية ليست لديها حسابات تريد تصفيتها مع المؤلف أو محيطه، وكل ما
تصبو إليه هو معرفة كيفية انتظام البنيات داخل النص حتى تشكل هذا البناء الكلي
المتماسك في نسج خيوطه، ولأجل تحقيق ذلك هي ليست ملزمة على بحث حياة المؤلف أو
التاريخ أو المجتمع في النص لكنها مجبرة على الإقرار بوجود كل هذا (المؤلف،
التاريخ، المجتمع ...) إذا شكّل واحدا منها أو بعضها أو كلّها بنية من بنيات النص،
أو عنصرا من عناصر تكوينه، وفي هذا دليل على صرامتها في احترام مبادئها.
[1] حينما يتناقش الرياضيون فيما بينهم لا يقتنعون بالبرهان من
الوهلة الأولى بقدر ما يحللون الطريقة التي تعلل بها صحة النتائج، وهنا أيضا
يستعمل الرياضي لغة ذاتية خاصة به في إيصال المعنى الذي يرومه
[2] الفرق بين اللغة والكلام يكمن في طبيعة وتكوين
كلٍّ منهما، فالكلام هو العمل واللغة حدود هذا العمل، والكلام سلوك، واللغة معيار
لهذا السلوك، والكلام نشاط واللغة قواعد منظّمة لهذا النشاط، والكلام حركة واللغة نظام هذه
الحركة، ونتحسس الكلام بالسمع عن طريق النطق، وبالبصر عن طريق الكتابة، بينما اللغة
هي التأمل والتفهّم لكلّ ما هو مسموع ومقروء، والكلام هو كل ما هو منطوقٌ ومكتوب،
أما اللغة هي الموصوفة في كتب الفقه والقواعد والمعاجم وغيرها، والكلام هو عملٌ
فردي، بينما اللغة اجتماعيّة.
[3] من أشهر المصطلحات النقدية التي كتب عنها رولان بارت هو مصطلح موت
المؤلف، وهذا المصطلح اتسع في الأبحاث والدراسات حتى صار نظرية نقدية، وثمة نقاد
أيدوا هذه النظرية، ومنهم من عارضها ورفضها.
[4] اتفق
البنيويون على أن
النص كيان لغوي قائم بذاته، ولا علاقة له بالمؤلف، ولا بالظروف والأوضاع التي سببت
تأليفه أو كتابته، وإنما تعاملوا مع النص من الداخل، مخالفين بذلك كثيرًا من
المناهج النقدية التي تعدّ المؤلف أساسيًا في دراسة أي عمل أدبي مثل المنهج
الاجتماعي والتاريخي والنفسي.
ليست هناك تعليقات