المحاضرة الثانية لمقياس المقاربات النقدية المعاصرة ثانية ليسانس "د أ،د نق، د لغ" للموسم 2022/2023:
المستوى: ثانية
ليسانس السداسي: 04.
المقياس: مقاربات نقدية معاصرة . د. جلول تهامي.
المحاضرة الثانية لمقياس المقاربات النقدية المعاصرة ثانية ليسانس "د أ،د نق، د لغ" للموسم 2022/2023:
النقد الشكلاني "المنهج
المورفولوجي":
تعريف الشكلانية و تطورها: تعتبر الشكلانية أوّل اتجاه نقدي دعا إلى استقلال الأدب
و ضرورة دراسة النص الأدبي لذاته و لأجل ذاته، فهي نزعةٌ تهدف إلى تغليبِ قيمة
الشكل والقيم الجماليّة على مضمون العمل الأدبيّ، وما فيه من فكر أو خيال أو شعور.
ركّزت الشكلانية الروسية -في بداياتها على الشكل في العمل الأدبيّ، لكنّها تطورت
لاحقًا إلى دراسة بنية هذا الشكل، ومن أبرز ما ميّز الشكلانية الروسية هو رفضها
لكلّ ما هو مُغرق في الغموض، كما اعتمدت الشكلانية منهجيّة تجريبيّة تركز على
دراسة الظواهر والملاحظات التجريبية، بعيدًا عن الانطباعية، وكان تركيزها على
الشكل ونسيج النص اللفظي، وهذا دفعها إلى دراسة الأصوات وتكراراتها وتناسقها
وإيقاعها، وممّا هو جدير بالذِكر أن المدرسة الشكلانية الروسية وضّحت الفرق بين
اللغة الشعرية واللغة العمليّة في استخدام الكلمات، كما عملت على تحديد المستويات
المختلفة للنص وأساليبه. وقد مرّت في سبيل ظهورها بمرحلتين هامتين:
أ-المرحلة الأولى: ما بين عام 1915 إلى 1920، و قد تميّزت هذه المرحلة[1]
بالنشاط نتيجة أعمال (فكتور شلوفسكي) الذي قدّم للنظرية بعض التصوّرات والمصطلحات
الأساسية تميّزت هذه المرحلة بمجموعة من السمات أهمها:
§ وضع العمل الأدبي في دائرة الاهتمام ( رفض
المقاربات السياقية).
§ وصف العمل الأدبي بمصطلحات تقنية.
§ الاهتمام بالوظائف المختلفة للنسق.
تميزت هذه المرحلة بثورتِها على آراء كارل
ماركس وتنظيراته[2]،
كما أعلنَ الشكليّون الروس رفضَهم لنظريّة الانعكاس[3]
التى قدَّمها جورج لوكاتش، وأعلَنوا أنّ النقد لا بد وأن ينتقل إلى داخل العمل.
ب - المرحلة الثانية: (1921-1930): عرفت هذه المرحلة انتشار القواعد النظرية
في مجالات عديدة شملت الشعر والمسرح والدراما والسينما والحكاية الشعبية
والعادات... تُوّجت بظهور كتاب (فلاديمير بروب): (مورفولوجيا الحكاية العجيبة)[4].
مقولات و مبادئ النقد الشكلاني:
لقد قدّم كتاب نظرية المنهج الشكلي[5]
عرضا مفصلا لأهم مبادئ و مقولات النقد الشكلاني نجملها اختصارا في يأتي:
الأدبية: لخص جاكبسون مفهومها قائلا: "إنّ موضوع علم الأدب ليس هو الأدب
و إنما الأدبية، و الأدبية هي كلّ ما يجعل من الأدب أدبا[6]، أو
تلك الخصائص النسقية التي تجعل من الأدب أدبا[7].
هذه الخصائص كامنة في بنية النص وليست خارجه".
الإحساس بالشكل : كلمة "شكل" متعددة الدلالات فهي تحيل على
البناء والنظم واللفظ، كما تحيل على البنية المتحكمة في الصياغة الشعرية من إيقاع
ووزن وقافية... وقد ركز الشكلانيون على هذا المصطلح أكثر من تركيزهم على غيره حتى
صاروا ينعتون به. لقد انطلق الشكلانيون في مقاربتهم لقضية الشكل من انتقادهم
للثنائية التقليدية القائمة على التقابل بين الشكل والمضمون، بحيث يكون الأول وعاء
يصب فيه الثاني، وكان على الشكلانيين أن يقدموا مقاربة توضح العلاقة بين هذين
العنصرين وتتجاوز أطروحة الانفصام التي دعت إليها المقاربات الأخرى.
وعرّفه ((شكلوفسكي)) بأنّه صبغة مميّزة
للإدراك الجمالي الذي عن طريقه نتحقق من الشكل، و الشكل عند الشكلانين ليس وعاءً
فقط وإنّما هو صياغة جمالية للمضمون، لذا : الشكل= شكل +مضمون، مما يعني أنّ الشكل
هو اللغة، ولكنّها لغة شعرية تختلف عن اللغة اليومية بالخاصية المدركة لبنائها.
يقول ﺇيخنباوم: "إن مبدأ الإحساس
بالشكل هو صيغة متميزة للإدراك الجمالي"
ذهب كروتشيه إلى أن الجمالية الأدبية مرتبطة
بالبنى الداخلية للنص حيث يقول: "ﺇنك لو جردت الشاعر من ألفاظه وقوانينه لما
بقي هنالك فكرة شعرية كما يخيّل إلى بعضهم، بل لما بقي شيء البتة"(.
يقول تينيانوف: "إن وحدة العمل الأدبي
ليست كيانا متناسقا مغلقا، ولكنها تكامل ديناميكي يتوافر على صيرورته الخاصة. إن
عناصره ليست مرتبطة فيما بينها بعلامة تساوي أو إضافة بل بعلامة التلازم والتكامل
الديناميكية. ولذا وجب الإحساس بشكل العمل الأدبي كشكل ديناميكي"
وقد دأب الشكلانيون على تحليل النصوص
انطلاقا من العناصر المتدخلة في جمالية الأشكال الأدبية، على مختلف المستويات
الصوتية والصرفية والنحوية والمعجمية... فعلى المستوى الصوتي قاموا بتحليل الأصوات
وبيان الخصائص المميزة لها وحجم تكرارها وتقابلها وتطابقها، وقد كان تركيزهم على
هذا المستوى أكثر من غيره لاعتقادهم أنه القاعدة الأساسية التي يقوم عليها الإبداع
الأدبي، فلم يعد الإيقاع مجرد هيكل من التفاعيل تؤطر الكلمات الشعرية، بل أصبح
أساساً بنائياً يحدد السمات السمعية وغير السمعية للشعر، وبذلك اكتسب خاصية
المضمون الحقيقي للخطاب الشعري.
القيمة المهيمنة: هي التي تحكم و تحدّد بناء العمل الأدبي، كما أنّها
تحقق تلاحم البنية، وتكسب الأثر نوعيته، فالخصيصة النوعية للغة الشعرية هي بداهة
خطاطتها العروضية أي شكلها كـ (شعر). إن مفهوم الشكل يتوسع ليشمل كل المستويات،
وقد اعتبر "بريك" العمل الفني "حصيلة أنساق"، لكن أحدها يبرز
فيسيطر على الأنساق الأخرى. إن الإيقاع ليس في الغالب سوى "نسقاً
مهيمناً" يتعارض مع النظام النثري.
التغريب أو كسر الألفة : بمعنى ضرورة تجاوز
الطابع التقريري للأدب، وتحطيم مقولة الواقعية، واقترحوا من الوسائل لتحقيق ذلك
مفهوم التغريب أي جعل المألوف لدى المتلقي غريبا عن طريق التنويعات الفنية[8].
ولذلك كان شلوفسكي يقول: "إن أداة الفن هي أداة تغريب الموضوعات وأداة الشكل
التي بها يصير صعبا وهي أداة تزيد من صعوبة الإدراك ومدته، لأن عملية إدراك الفن
هي غاية في حد ذاتها ولذلك ينبغي تمديدها. وفي هذا تأكيد لمبدأ علمية الأدب وتحديد لدور القارئ في
تفكيك العناصر النصية، وتمريرها في سياق تحليلي بغية الكشف عن الأبعاد الفنية التي
غطى عليها التغريب المقصود في النص.
مراد الفنّ هو تغيير طريقة
التلقي لدى البشر، بمعنى تقديم صيغ عسيرة[9]،
غير واضحة وغير معتادة، لتحقيق ذلك يجب زحزحة ظواهر الحياة من سياقها الآلي وتحويرها
باستخدام التقنيات الفنية، قد يكون الرّمز أحد هذه التقنيات لما يحدثه في المتلقي
من غرابة و دهشة و إثارة.
الوظيفة: و هي وحدة نصية تتكرّر في معظم
نصوص الحكايات العجيبة أفعال الشخصيات التي لا تتغير بتغير أسمائها، بنى عليها
((فلاديمير بروب)) نموذجه في تحليله المورفولوجي للحكايات العجيبة.
[1] ظهرت
الشكلانيّة الروسية عام 1915م في موسكو، وكانت في ثلاثينيّات القرن العشرين في ضعف
وانعزال، وبعدها ازدهرتْ في السنوات اللاحقة، إذ كانت الشكلانية الروسية ردّة فعل
على النظريّات الرومانسية في الأدب، والتي سلطت الضوء على الكاتب وقدراته
الإبداعيّة المستقلة، وبدلًا من ذلك سلطت الشكلانية الروسية الضوء والاهتمام على
النص لتؤكّد أهمية الشكل بالنسبة للنص، وما له من أثر في التطورات التي تطرأ على
النص، فالشكلانيّون وبسببِ رفضهم لواقعهم وللحرب العالمية الثانية كانوا لا يهتمون
بالنظريات الأدبية، ولا بالمعلومات المتعلّقة بالنص، ولا يكترثون لأهميّة الكاتب
على أنه مبدع لهذا النص، فقد أهملوا الكاتب ودوره إهمالَهم للواقع وسماته.
[2] الفكرة الكامنة وراء النقد الماركسي هي أن الأعمال الأدبية ما
هي إلا نتائج التاريخ التي يمكن تحليلها عن طريق النظر في الظروف الاجتماعية
والمادية التي نشأت فيها. يرى ماركس في كتابه رأس المال أن «نمط إنتاج الحياة
المادية هو الذي يحدد عملية الحياة الاجتماعية والسياسية والفكرية إجمالا.
[3] تقوم نظرية لوكاتش
على اعتبار المعرفة الحقة ليست وليدة الانطباعات الأولية للحس، وإنما هي انعكاس
للواقع الموضوعي الأكثر عمقا وشمولا مما هو موجود في مظهر هذا الواقع؛ " تبقى
الرواية (...) راسخة الجذور في خصوصية التجربة، إنها بوصفها نوعا أدبيا ملحميا لا
تستطيع أبدا أن تتخلى عن صلتها بالواقع التجريبي، الذي هو جزء متأصل من طبيعة
شكلها الخاص بها.
[4] فلاديمير بروب هو
عالم فولكلوري روسي نشر كتابه "مورفولوجيا الحكايات الشعبية" في عام
1928. وقد تأثر بشدة بعمل الفلكلوري الفنلندي أنتي آرني ونظام الفهرس الخاص به
لتصنيف الحكايات الشعبية. كان هدف Propp هو فهم سبب وجود شخصيات معينة في القصة وكيف أثروا على رواية
الحكاية. نظريته هي أن جميع القصص الخيالية تتكون من واحد وثلاثين عنصرًا مختلفًا
أو "وظائف". أهم وظيفة تسمى "البطل"
الذي يمر بسلسلة من المحاكمات أو المهام من أجل إنقاذ الوطن أو الأسرة أو العشيق من شرير . تشمل الوظائف الأخرى
"المتبرع" ، الذي يعطي شيئًا مهمًا للبطل ؛ "المرسل" ، الذي
يرسلهم في سعيهم ؛ و "الأميرة" ، التي عادة ما يحتاج البطل إلى إنقاذها.
[5] تجدون رابط الكتاب
على الصفحة والموقع أدناه:
[6] الادب لغة تستعمل لأغراض
المحاكاة لصنع التخييل
[7] الادب لغة تستعمل
بطريقة ممتعة جماليا و تجذب الانتباه الى نفسها بوصفها وسطا
[8] يمرّ بي كلّ وقت.. وكلّما مرّ يحلو.
[9] كأنّا للمجاورة
اقتسمنا فقلبي جارهم والدّمع جاري.
ليست هناك تعليقات