التسمية

اللّسَانُ السّابِعissane7L

آخر المنشورات:

تعريف الشّعر عند القدامى والمحدثين:


 يُمثّل الشّعر الجنس الأدبي الأوفر حظا في الأدب العربي، بل الخطاب الأدبي الأساسي في التّراثيّة العربيّة، فقد نقلت فيه أخبار العرب وأيامها على مدى قرون متعاقبة، فكان له الدّور الكبير في تشكيل الثقافة العربيّة وإثرائها، الأمر الذي دفع بالنّقاد العرب إلى جعله محور الدّراسات النّقديّة العربيّة القديمة منها والحديثة.
فلقد جاءت كتب النّقد جلّها إن لم نقُل كلّها موسومة بلفظ الشّعر أوالشّعراء في عنـوانها، وحاملة في طيّاتها أهمّ معالم قضايا الشّعريّة العربيّة، ومن هنا كان للشّعر حظٌّ وافرٌ في عصر التّأليف، فكتب، ابن سـلام الجمحـي(طبقات فحول الشّعراء)، وابن قتيبة الدّينـوري  كتابه (الشّعر والشّعراء) والآمدي (الموازنة بين الطائيين)، والمــرزوقي (عمود الشّعر)، وقدامة ابن جعفر  (نقد الشّعر) وابن طباطبا  (عيار الشّعر)، وابن سينا (فنّ الشّعر) (ترجمة كتاب أرسطو). فضلاً عن مؤلّفات أخرى أوْلَت الشّعر اهتماماً كبيراً وخصّصت له نصيباً من أبـوابها، ككتب  الجاحظ، وأبي حيّان التّوحيدي  في (المقابسات)، وعبد القاهر الجرجاني  في (دلائل الإعجاز، وأسرار البلاغة) وحازم القرطاجنّي  في كتابه  (منهاج البُلغاء وسراج الأدباء).
والقضيّة الأولى في كتب النّقد هذه، هي ماهية الشّعر أوحدُّ الشّعر أومحاولات لإبانة العناصر التي تجعلُ الشّعر شعراً، فمن وجهة نظر النقاد العرب تعدّدت التّعاريف واختلفت وأهمّها:
أ –  ما جاء في كتاب (طبقات فحول الشّعراء) لابن سلام الجمحي: "وللشّعر صناعة وثقافة يعرفها أهل العلم كسائر أصناف العلم والصّناعات، منها ما تثقفه العين، ومنها ما تثقفه الأذن، ومنها ما تثقفه اليد، ومنها ما يثقفه اللسان..." ([1])  وفي هذا إشارة إلى النقد باعتباره علم الشّعر، وإلى الشّعر باعتباره صناعة ومعرفة ثقافية.([2])
ب – وما جاء في نقد الشّعر لقدامة بن جعفر: "الشّعر قول موزون مقفّى يدلّ على معنى" ([3]).
جـ – ويعرّف  الفارابي الشّعر بقوله: "قوام الشّعر وجوهره عند القدماء هوأن يكون قولاً مؤلّفاً يُحاكي الآمر، وأن يكون مقسوماً بأجزاء ينطق بها في أزمنة متساوية، ثمّ سائر ما فيه فليس بضروريّ في قوام جوهره، وإنّما هي أشياء يصير بها الشّعر أفضل وأعظم، هذين في قوام الشّعر هما المحاكاة وعلم الأشياء التي بها المحاكاة، وأصغرهما الوزن"([4])، كما يرجع الفارابي نشأة الألحان الغنائية إلى الشّعر حين يقول: "والتي أحدثت الألحان هي فطر ما غريزية للإنسان منها الهيئة الشّعرية التي هي غريزية في الإنسان ومركوزة فيه من أول كونه."([5])
د – أما ابن سينا فيذهب إلى أن: "الشّعر كلامٌ مُخيَّلٌ مُؤلَّف من أقوال موزونة متساوية، وعند العرب مُقفّاة، ومعنى كونها موزونة أن يكون لها عددٌ إيقاعي، ومعنى كونها متساوية هو أن يكون كلُّ قولٍ منها مؤلّفاً من أقوال إيقاعيّة، فإن عدد زمانه مساو لعدد زمان الآخر، ومعنى كونها مُقفّاة هو أن يكون الحرف الذي يُختم به كلّ قول منها واحدا" ([6])، وفي هذا الصدد يذهب جابر عصفور إلى القول: "إن الجمهور وكثير من الشّعراء إنما يرون أن القول شعر متى كان موزونا مقوما بأجزاء ينطق بها في أزمنة متساوية" ([7])
هـ – وعند ابن طباطبا: "الشّعر كلامٌ منظوم بائنٌ عن المنثور الذي يستعمله النّاس في مخاطباتهم  بما خصَّ به النَّظـم الـذي إن عُـدِلَ عـن جهتـه مَجَّتهُ الأسماع، وفسد على الذّوق ونظْمه معلومٌ محدود، فمن صحَّ طبعُه وذوقُه لم يحتج إلى الاستعانة على نظم الشّعر بالعروض التي هي ميزانه، ومن اضطرب عليه الذَّوق لم يستغن عن تصحيحه وتقويمه بمعرفة العروض والحذق به حتَّى تُعتبر معرفته المُستفادة كالطّبع الذي لا تكلّف معه" ([8]).
وينطوي هذا التعريف على عناصر أساسية: ([9])
-                  النظم الذي يفرق بين الشّعر والنثر.
-                  صحة الطبع والذوق لدى الشاعر.
-                  المعرفة المكتسبة التي يتم هضمها لتصبح جزءا من عفوية الشاعر.
فالشّعر عند ابن طباطبا منظوم بالطبع.
وهذا النص يبين أن ابن طباطبا لا يقيد الإيقاع الشّعري بخصائص العروض والوزن في  الشّعر، "ففي الشّعر ما هو أكثر إيقاعية وأشدّ تأثيرا،إنه البنية الداخلية التركيبية التي تقوم على أسس جمالية تتمثل في تلك المظاهر البلاغية التي جهد القدماء في استخراجها والتي تساهم في بناء النسيج المتآلف"([10]).
و– وعرّف ابن رشيق الشّعر بقوله: "الشّعر يقوم بعد النيّة من أربعة أشياء وهي: اللّفظ، والوزن، والمعنى، والقافية، فهذا هو حدُّ الشّعر، لأنّ من الكلام موزونا مُقفَّى وليس بشعر لعدم القصد والنيّة" ([11]).
ز– وجاء في مقدمة ابن خلدون: "قول العروض في حدّه أنّه الكلام الموزون المُقفَّى ليس بحدّ لهذا الشّعر الذي نحن بصدده، ولا رسمٍ له، وصناعتهم أنّها تنظر في الشّعر من حيث اتّفاق أبياته في عدد المتحرّكات والسَّواكن على التَّوالي، ومماثلة عروض أبيات الشّعر لضربها، وذلك نظرٌ في وزن مجرَّد عن الألفاظ ودلالتها فناسب أن يكون حدّاً عندهم، ونحن هنا ننظر في الشّعر باعتبار ما فيه من الإعراب والبلاغة يُعطينا حقيقته من هذه الحيثيّة فنقول: الشّعر هوالكلام البليغ المبني على الاستعارة والأوصاف، المُفصَّل بأجزاء مُتّفقة في الوزن والرويّ، مستقلّ كلّ جزءٍ منها في غرضه ومقصده عمّا بعدهُ وما قبله، الجاري على أساليب العرب المخصوصة به"([12]).
 ويقول ابن خلدون: "وأمّا العرب فكان لهم أوّلاً فنّ الشّعر، يُؤلّفون فيه الكلام أجزاءً متساوية على تناسبٍ بينها في عِدَّة حروفها المتحرّكة والسّاكنة، (...) وهذا التّناسب الذي من أجل الأجزاء والمتحرّك والسّاكن من الحروف قطرةٌ من بحر من تناسب الأصوات كما هو معروف في كتاب الموسيقى، إلاّ أنّهم لم يشعُروا بما سواه، لأنّهم حينئذ لم ينتحلوا علماً ولا عرفوا صناعةً وكانت البداوة أغلب نحلهم" ([13]).
وفي كلام ابن خلدون هذا تعريفان أحدهما للعروض ما لبث أن رفضه ونقضه بتعريف آخر للشعر يكاد يؤصل لحد الشّعر ويولي اهتماما بالإعراب والبلاغة والوزن وقوالب الشّعر الخاصة به.
وعلى الرغم من أن ابن خلدون استخدم الاصطلاح المنطقي اليوناني والأرسطي الأصل بشكل فعّال فإن تعريفه سطحيّ فهو مجرد وصف لمفهومه واستخدامه التقليديين لدى العرب.([14])
هكذا حاول القدامى تعريف الشّعر، فهم يرون الانسجام الموسيقي في توالي مقاطع الكلام وخضوعها إلى ترتيب خاص، مضافا إليها تردد القوافي وتكرارها، أهم خاصية تميز الشّعر عن النثر.
ولما جاء المحدثون وبدؤوا ينْظرون إلى الشّعر في لغات عدة وضعوا له أركانا ثلاثة يجب أن تتحقق في الكلام ليسمّى شعرا: ([15])
أولهـــا: أن معانيه تُصبّ في صور خيالية تثير خيال القارئ أوالسامع.
ثانيها: أن تتوافر في ألفاظه صفة التجانس بين اللفظ والمعنى، وذلك بأن يكون اللفظ رقيقا في موضع الرقة، قويا عنيفا في موضع القوة والعنف، وأن تتوفر فيه صفة الجرس الموسيقي، وأن لا يكون اللفظ مبتذلا أوكثير الشيوع لا يرتاح إليه الذوق الشّعري.
ثالثها: الوزن الشّعري وخضوع الكلام في ترتيب مقاطعه إلى نظام خاص.
 وأهم ما في كلام المحدثين هذا معنى الجرس الموسيقي في اللفظ الشّعري لأن بعضهم وصف هذه الصفة بأنها أخص مزايا لغة الشّعر، فحين ننظر إلى القصيدة العربية في سابق  عهودها نجدها قد نهضت بجميع أغراض القول مع اشتراط الوزن والقافية، وكان أكثر كلام العرب شعرا ولم يعرف أن أحدا منهم شكا من ذلك، أوتبرّم منه، أوحاول الخروج عليه، لا في جاهلية ولا في الإسلام حتى العصر العباسي.([16])
لكن الشّعر العربي عرف نوعان من التجديد: تجديد على مستوى الأوزان وآخر على مستوى القافية، وهذا التجديد عارضه بعضهم واستحسنه بعضهم الآخر، "فالعقّاد يرى أن أساس العروض العربي قابل للبناء عليه بغير حاجة إلى نقضه وإلغائه، فقد كانت بضعة بحور من أوزان الشّعر، كافية لأغراض الشّعراء في الجاهلية ثم نشأت من أوزانها مجزوءات ومختصرات صالحة للغناء، ثم اتخذت من هذه البحور أسماطا وموشّحات وأهازيج تتعدّد قوافيها مع اختلاف مواقعها، وتطول فيها الأشطر أوتقصر مع التزام قواعد الترديد فيها، واختار فيها بعض الشّعراء نظم المثاني أو المزدوجات،  وبعضهم نظم المقطوعات التي تجتمع في قصيد واحد متعدّد القوافي أومتفرّق" ([17]).
والملاحظ أن كل محاولات التجديد في موسيقى الشّعر العربي لم تخرج عن الإطار القديم وإنما ترجع إليه على نحو من الأنحاء، فكل محاولة للتجديد التزمت ألوانا من التقليد للإطار القديم فلا بد للشعر أن يختلف عن النثر في شكله وأهمّ هذا الاختلاف إنما هو الاختلاف في الإطار الموسيقي الذي يلتزمه الشّعر دون النثر.



[1] - الجمحي ابن سلام، طبقات فحول الشّعراء،  دار المدني المؤسسة السعودية بمصر القاهرة، 03 .
[2] - المناصرة عز الدين، علم الشعريات، الطبعة الأولى، دار المجدلاوي للنشر والتوزيع، الأردن  2007، 55
[3] - أبوالفرج قدامة بن جعفر، نقد الشّعر، الطبعة الثالثة، مكتبة الخانجي، القاهرة، 11،17
[4] -  عبيد علي، نظام الإيقاع في الشعر العربي، الطبعة الأولى، المعهد العالي للموسيقى، تونس، 33 .
[5] - الفارابي، كتاب الموسيقى الكبير، دار الكتاب العربي للطباعة والنشر، القاهرة،70
[6] - ابن سينا، فنّ الشّعر من كتاب الشفا ضمن فن الشعر، تحقيق بدوي عبد الرّحمن، مكتبة النهضة، 1953، 161 .  
[7]  - عصفور جابر، مفهوم الشعر، الطبعة الخامسة، مطابع الهيئة المصرية العامة للكتاب،1995،192
[8] - ابن طباطبا، عيار الشّعر، منشأة المعارف، الإسكندرية، 41 .
[9] - المناصرة عز الدين، علم الشعريات،73،74
[10] - ابتسام أحمد حمدان، الأسس الجمالية للإيقاع البلاغي في العصر العباسي، الطبعة الأولى، دار القلم العربي، سوريا، 1989،58
[11] - ابن رشيق، العمـدة، الطبعة الرابعة، دار الجيل، سوريا 1972، 119 .
[12] - ابن خلدون، المقدّمة، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 653 .
[13] -  ن م، 444 .
[14] - فينسنتي كانتارينو، علم الشعر العربي في العصر الذهبي، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية، بيروت، 2004، 78
[15] أنيس إبراهيم، موسيقى الشّعر، الطبعة السابعة، مكتبة الإنجلوالمصرية، القاهرة 1997، 22 .
[16] - عبد الله عطية عبد الهادي، ملامح التجديد في موسيقى الشعر العربي، بستان المعرفة لطبع ونشر الكتب، الإسكندرية، 2002،22
[17] - ن م،22
[18] - ن م،54

ليست هناك تعليقات