التسمية

اللّسَانُ السّابِعissane7L

آخر المنشورات:

النحو العربي في مرحلة النمو والإبداع:


وتبدأ هذه المرحلة مع الطبقة الثالثة من النحويين حيث يعد الخليل بن أحمد الفراهيدي مؤسسا للمذهب البصري و إماما للبصريين، كان غاية في استخراج مسائل النحو وتصحيح القياس[1]، يمتاز بحس لغوي دقيق جعله يفقه أسرار العربية ودقائقها في الألفاظ والعبارات فقهاً لعل أحدا من معاصريه لم يبلغه[2].
لقد سبق الخليلَ أعلامٌ من اللغويين كأبي عمرو بن العلاء والأصمعي، وأبو عبيدة الأنصاري، وغيرهم...، أولئك الذين جمعوا اللغة ودونوها وضبطوا ألفاظها وتراكيبها كما جاءت على ألسنة الفصحاء من أهل هذه اللغة، وإذا أردنا توصيف هذا العمل نجده لا يتجاوز أن يكون تتبعا للظاهرة اللغوية وجمعها للوصول إلى مدونة ستكون فيما بعد زادا لمن أراد أن يستكنه أو يستكشف متعلقات هذه الظاهرة اللغوية، والدليل على ما نقول هو أن أولئك اللغويين خلّفوا وراءهم مصنّفات ومدوّنات جُمعت وصُنّفت وبُوّبت ((حسب الموضوعات ككتاب النخيل، وكتاب النبات، وكتاب المطر، وغيرها، أو بحسب الحروف، كأن يتخذ أحد الحروف أساسا للتصنيف، فينتظم الكتاب الحروف التي تشترك في هذا الحرف، ككتاب الجيم وكتاب الهمز، وغيرهما))[3].
غير أن الخليل انتبه إلى أن عمل اللغويين –جمع اللغة- لا يمثل سوى مرحلة أخيرة من مراحل البناء اللغوي، فأراد أن يبدأ البحث اللغوي من البسيط إلى المركب، ومن المستوى الأدنى تركيبا إلى المستوى الأكثر تركيبا، (( فإذا كانت اللغة تتألف من مجموع هذه المفردات، فإنما المفردات تتألف من أجزاء، وهذه الأجزاء هي الحروف، فلا بد إذن لمن يريد أن يدرس اللغة، ويتفهم طبيعتها أن يبدأ بدراسة الحروف))[4].
من هنا كان للخليل رؤيته المختلفة في الدرس اللغوي فقد تميز عن غيره بنظرته البنائية المنفردة، ورؤيته الرياضية المتميزة، إذ لما رأى جهود اللغويين منصبة على الجمع والتدوين اهتدى إلى أنه من الصعوبة بمكان أن تجمع الألفاظ والمفردات كلها، لسعة العربية وشساعة الرقعة الجغرافية التي يبحث فيها عن اللغة، إضافة إلى ذلك صعوبة مهمة اللغوي وحاجته إلى الترحال والتجوال بين القبائل، (( رأى الخليل كل ذلك فلم يشارك الدارسين فيما صنفوا، لأنه لم ير هذه المصنفات على كثرتها مما يفي بالحاجة، أو يحقق الغرض الذي صنفت من أجله، ولأنه كان يرى أن جمع المفردات وتدوينها على هذا النحو لا يخدم الفكرة التي دفعت الدارسين إلى التدوين، ولا يفي بالحاجة إلى حفظ اللغة، واستيعاب مفرداتها أو حصرها))[5].
من هنا بدأت رحلته مع معجم العين، حيث فكر في حصر مفردات اللغة دون جهد السفر ووعثائه، ووفق منهج محدد، فبدأ من الحرف وليس من اللفظ، ليركب من عدّة الحروف العربية كل ما يمكن أن يركب من ألفاظ، مهمَلها ومستعمَلها، فحقق غاية حفظ اللغة واستيعاب مفرداتها وحصرها، بل ذهب إلى أكثر من ذلك حيث انطلق في ترتيب مادة معجمه من وصفه لجهاز النطق فأعاد ترتيب الحروف حسب مخارجها، وأخرج للناس معجم "العين" الذي لم يعرف الناس قبله مثله لا من حيث منهج الجمع ولا من حيث طريقة الترتيب.
وأما جهود الخليل في النحو فأقل ما يمكن القول عنه أن ((تاريخ الدرس النحوي عند الخليل، هو تاريخ النحو العربي الذي نعرفه جملة وتفصيلا، لأن أقوال الخليل وآراءه وتعليلاته وقياساته مما احتوى "الكتاب" الذي دون سيبويه فيه بأمانة وصدق تنتظم النحو الذي نعرفه مسائلا وأصولا))[6].
فعنه أخذ كثير من معاصريه وفي مقدمتهم سيبويه الذي برع في النحو و ألمّ بأساليب العربية وأسرارها، فقد جاء في مراتب النحويين: (أخذ النحو عن الخليل جماعة لم يكن فيهم ولا في غيرهم  من الناس مثل سيبويه، وهو عمرو بن قنبر، وهو أعلم الناس بالنحو بعد الخليل وألف كتابه الذي سماه الناس قرآن النحو وعقد أبوابه بلفظه ولفظ الخليل) [7].
الكتاب لسيبويه:
الحديث عن الكتاب حديث عن أقدم مؤلف وصل إلينا من كتب النحو بمعنى أن الكتاب هو ما حفظ وحمل إلينا من القضايا النحوية عن الخليل وسيبويه فقد أجمل فيه صاحبه أصول المنهج البصري، ((وقد عرف كتاب سيبويه من قديم الدهر إلى يومنا هذا باسم الكتاب أو كتاب سيبويه، ومن المقطوع به تاريخيا أن سيبويه لم يسمه باسم معين، على حين كان العلماء في دهره ومن قبل دهره يضعون لكتبهم أسماء: كالجامع والإكمال لعيسى بن يعمر، والعين المنسوب إلى الخليل ))[8]
فإذا تصفحنا الكتاب وجدناه قد ضم العديد من علوم العربية من نحوها إلى صرفها إلى أصواتها وحتى بلاغتها، فالناظر في الكتاب يتبين وبوضوح مسار الـتأليف النحوي آنذاك، فأول ما يشد انتباه القارئ الطريقة المتبعة في الترتيب، إذ لا تلمس منهجية معينة في تبويب المواضيع فقد بدأ كتابه بـ:
-                   "هذا باب علم ما الكلم من العربية"[9].
-                   ثم "هذا باب ما يحتمل الشعر"[10].
-                   ثم "هذا باب الفاعل الذي لم يتعده فعله إلى مفعول والمفعول الذي لم يتعد إليه فعل فاعل ولم يتعده فعله إلى مفعول آخر"[11].
وهذا يدفع بنا إلى القول بأن صاحب الكتاب لم يتخذ لنفسه خطة يسير عليها، ((إذ إن الخلط لم يكن في الترتيب والتنسيق فحسب بل كان أيضا في الأبواب التي يضعها ليبحث تحتها موضوعا نحويا فهو حينما يضع عنوانا لباب معين لا يعني ذلك أنه سيقصر البحث على هذا الباب وإنما قد يبحث ضمنه مواضيع متفرقة منها ما يخص الباب ومنها ما لا يمت له بصلة))[12].
إن وصف الكتاب بأنه كتاب نحوي إنما هو على سبيل التجوز فقط، لأن الكتاب جمع فيه صاحبه كل ما له صلة باللغة، ففيه وصف للأصوات ومخارجها وصفاتها، وفيه حديث عن الاشتقاق وهو بحث صرفي، كما لا يخل من مباحث المعاني والبيان والبديع، غير أن غلبة الأبواب النحوية على غيرها جعلته يوصف بأنه كتاب نحوي.
إن دراسة النحو كعلم قائم على أصول وقواعد معينة لم يعرف بشكل صحيح وواضح إلا في كتاب سيبويه، فقد اختلف عن أبحاث المتقدمين لكونه لم يقف على الجزئية الواحدة من القضية النحوية مستعينا بالاستقراء والقياس، واختلف عن المتأخرين كونه لم يكتف من الكلمة بمعرفة حركة إعرابها أو بنائها.
المقتضب للمبرد:
أما المقتضب للمبرد، وهو أقدم ما وصل إلينا في النحو والصرف بعد كتاب سيبويه[13] فهو لا يختلف كثيرا عن الكتاب من حيث خلط المواضيع فهو يبدأ بــ:
((هذا تفسير وجوه العربية وإعراب الأسماء والأفعال، يقول فيه الكلام اسم وفعل وحرف جاء لمعنى....والمعرب الاسم المتمكن والفعل المضارع. وسنأتي على تفسير ذلك كله إن شاء الله. أما الأسماء فما كان واقعا على معنى.))[14].
-                   ثم يتحول إلى باب الفاعل ((هذا باب الفاعل وهو رفع))[15].
-                   ثم يتحول إلى حروف العطف (( هذا باب حروف العطف بمعانيها ))[16].
لقد بدأ بتفسير وجوه العربية والإعراب، ثم تكلم في الفاعل، ثم عرج إلى حروف العطف، وفي هذا بيان بأنه لم يتخذ لنفسه نظاما معينا في ترتيب أبواب كتابه.


[1]) ابن النديم أبو الفرج محمد، الفهرست، تحقيق: أيمن فؤاد سيد، مؤسسة الفرقان، لندن، 2009، ص 113/114.
[2]) ضيف شوقي، المدارس النحوية، دار المعارف، الطبعة السابعة، القاهرة، دون سنة، ص37.
[3]) المخزومي مهدي، الفراهيدي عبقرية من البصرة، دار الشؤون الثقافية، بغداد، الطبعة الثانية، 1989، ص 33.
[4]) المرجع السابق، ص 34.
[5]) المخزومي مهدي، الفراهيدي عبقرية من البصرة، دار الشؤون الثقافية، بغداد، الطبعة الثانية، 1989، ص 59.
[6]) المرجع السابق، ص 76.
[7]) أبوالطيب عبد الواحد بن علي اللغوي، مراتب النحويين، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار النهضة، القاهرة، دون ط،  ص65.
[8])  سيبويه أبو بشر عمرو بن عثمان، الكتاب، تحقيق عبد السلام هارون، مقدمة المحقق، مطبعة المدني، القاهرة، ص24.
[9]) المرجع السابق، ص12.
[10]) المرجع السابق، ص26.
[11]) المرجع السابق، ص33.
[12])السامرائي فاضل صالح، الدراسات النحوية واللغوية عند الزمخشري، دار النذير، دون ط، بغداد، 1971، ص 32/33.
[13] ) أبو العباس محمد بن اليزيد المبرد، المقتضب، تحقيق: محمد عبد الخالق عظيمة، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، القاهرة، 1994، ج01، ص 08.
[14] ) المرجع السابق، ص 141.
[15] ) المرجع السابق، ص 146.
[16])  المرجع السابق، ص 148.

ليست هناك تعليقات