التسمية

اللّسَانُ السّابِعissane7L

آخر المنشورات:

نقــد النّظـريّة الكمّيّـة للشعر العربي:



اعترض بعض الباحثين على فكرة الأساس الكمي لإيقاع  الشعر العربي، لأنه يرى لهذا الإيقاع أساسا آخر، بدلا من الأساس الكمي، أو مع الأساس الكمي.
يرى "محمّد مندور" أنّ الكمّ " لا يكفي لإدراك موسيقى الشّعر بل لا بُدَّ من الارتكـاز الشّعـري الذي يقع على كلّ تفعيلة ويعُود في نفس الموضع على التّفعيل التالي، وهكذا" ([1])، وفي حديثه عن الأوزان العربيّة يذهب "محمّد مندور" إلى القول: "بأنّها تتكوّن من وحدات زمنيَّة متساوية ومتجاوبة هي التفاعيل، وأنّ هذه التّفاعيل تتساوى أو تتجاوب في الواقع عند النّطق بها بفضل عمليّات التّعويض سواء أكانت مزاحفة معلولة أو لم تكُن،           ومن تردّد ارتكاز يقع على مقطع طويل في كلّ تفعيل، ويعود على مسافات زمنيَّة محدَّدَة النّسَب، وعلى سلامة هذا الإيقاع تقوم سلامة الأوزان" ([2]).ويرى سيّد البحراوي: "أن العروض العربي حتّى الآن قائمٌ على إحساس واضح بالكمّ، وإن لم تنتَفِ إمكانيّة الإحساس بالكيف كما تُشير بعض الظّواهر، ومنه أن شرط التّفعيلة والوزن لا يحتّم التساوي في كمّ المقاطع فحسب، بل في ترتيبها أيضاً، بمعنى أنّ العلاقة بين الأسباب والأوتاد، وبصفة خاصَّة موقع الوتد بين الأسباب، هي العلامة التي ميّزت التفعيلات بعضها عن بعض، رغم تساويها كمّياً" ([3])، والعروض العربي يُبنى على إحساس واضح بالكمّ مع إمكانيّة وُجود بعض العناصر الأخرى غير الكمّيَّة ([4]).
تقف النظرية الكمية عاجزة أمام سؤال مهمّ مفاده: إذا كان الأساس الكمي يعني ترتيب عدد من المقاطع تبعا لكمها، فكيف يجوز الزحاف الذي يؤدي إلى الاختلاف الكمي بين المقاطع المتناظرة ؟
لذا وُجد من الباحثين من يرفض رفضاً قاطعاً إسناد أيّ دور إلى الكميّة المقطعيّة في تشكيل البنية العروضيّة للشعر العربي، وفي مقدّمة هؤلاء " أبو ديب كمال " الذي يأتي على رأس مُعارضي النّظريّة الكمّيَّة ويُحاول سرد الحُجج والبراهين لإثبات ضعفها، وعدم صلاحيّتها لوصف أيّ إيقاع للشّعر العربي، وفي هذا السّياق يقول:
"لقد أدّت النّظريّة الكمّيّة حتى الآن إلى تعسّف وقسر يتجاوزان بدرجات كلّ وجوه القسر التي وردت في عمل الخليل " ([5])، لكن الكمّ لم يُشرح شرحاً منهجياً وافياً، وكلّ ما حدث هو أنّ التفعيـلات الخليليّة في شكلها الكامل وبعض زحافتها وُصفت عن طريق المزدوجة (قصير، طويل)" ([6]).
ويضيف بعض المستشرقين لا يجد حرجاً في تشويه صورة الشّعر العربي كلّها كما تنعكس في تفعيلات الخليل من أجل إخضاع هذه التفعيلات لنظام المقطع والمزدوجة (قصير، طويل) ويسقط هذا إنّما على حدّ أقلّ بدرجات عمل الدّارسين العرب" ([7]).
لكن الوصف الذي قاد إليه اعتماد هذه المزدوجة لا يُعين على فهم التشكّلات الإيقاعيَّة العربيّة فهماً عميقاً، كما أنّ  هذه النتائج الكلّيَّة لهذا الوصف لم تُنظّم تنظيماً دقيقاً متناسقاً تُحدَّد فيه أسس بسيطة واضحة للفاعليّات الجذريَّة في عمليَّة التحوّل أو(الزّحاف) الإيقاعي، وتبقى أسئلة كثيرة مُعقّدة تعجز النظريَّة الكمّيَّة عن تقديم جواب مُقنع لها" ([8]).
وتأكيداً لهذا الكلام يقوم بتحليل تفعيلة "مستفعلن" كما تُفسّرها النّظريَّة الكمّيّة ويُحاول من خلالها البرهنة على وهن هذه النّظريَّة.
التفعيلة (مُستَفعِلُن) كما تُقدّمها النّظريّة الكمّيَّة تتشكّل من المقاطع التالية:
(مُستَفعِلُن) = /0/0//0 = - - u -  =  2 2 1 2
وتتشكّل تحوّلاتها كما يلي:
أ – //0//0 = مُتَفعِلُن  = u -  u -
ب – /0///0 = مُسْتَعِلُن = - u u -
ج – ////0 = مُتَعِلُن  = u u u -
 إذا كان (- - u -) يعادل كمّ (ج) فإنّ قُبُول هذا التّفسير الكمّي مع وُجُود هذه الفُرُوق الكمّيَّة الكبيرة يجعل النّظريَّة الكمّيَّة قليلة الجدوى في دراسة إيقاع الشّعر العربي" ([9]).
إذا كان هذا الوصف عن طريق المقاطع للتفعيلة (مُستَفعِلُن) وتحوّلاتها فهل يُمكن للنّظريَّة الكمّيّة أن تُقدّم قانوناً يصفُ هذه التحوّلات ويُفسّرها ؟
إنّ غياب التّفسير لهذه التحوّلات يدفع بـ "أبو ديب كمال" إلى القول بأنَّ: "تحديد الأساس الكمّي للإيقاع العربي بالمُزدوجة (قصير، طويل) تحديدٌ قاصر لا يسمَح بوصف النّظام الدّاخلي المُتكامل لهذا الإيقاع".
ولكي يقبل التفسير الكمّي لا بُدّ أن يُوضّح ويُبرّر اعتبار:
(مُتَعِلُن = u u u -) تحوّل لـ: (مُستَفعِلُن) = - - u -)
وليست تحوّلاً لـ: (فَاعِلاَتُن = - u - -)
على اعتبار أنّ (مُستفعلن = فاعلاتُن) حسب عدد المقاطع القصيرة والطّويلة فكلاهُما يحتوي مقطعاً قصيراً، وثلاثة مقاطع طويلة.
ولكي يقبل تفسير النّظريّة الكمّيّة لا بُدّ من تفسير إمكانيّة تحوّل (مُتعِلُن) محل (مُستَفعِلُن) رغم الاختلاف الواضح في كمّ المقاطع المكوّنة لكليهما.
وتوضيح أيضا عدم صلاحيّة (فَاعِلاَتُن) للحُلول محلّ (مُستَفعِلُن) بالرّغم من احتوائهما نفس المقاطع.
وهذا القُصُور للنّظريّة الكمّيّة يتجلَّى في تغيّر قيمة المقاطع (...) إنّ الأساس الكمّي ذاته خاطئ حين يُطبّق على المكوّنات الصّوتيَّة للشّعر العربي ابتداءً من النّوى الأساسيّة وانتهاءً بالوحدات الإيقاعيّة    (التّفعيلات) إنّ المقطع المُغلق الطّويل تتغيّر قيمته الكمّيّة وعلاقته بالمقطع المفتوح الطّويل تبعاً لطبيعة المصوّتات التي تُركّب المقطع ([10]).
واتّحاد طبيعة المقطعين (قَا) (لَتْ) في الكلمة (قالت) واعتبارُهما طويلين رُغم اختلاف طبيعة الصّامت، وكمّه فيهما ينفي شرعيّة النّظريّة الكمّيّة نفياً قاطعاً " ([11]).
وضمن الحديث عن النّظريّة الكمّيّة هُناك نُقطة لا بُدَّ من الإشارة إليها وهي (التعادل الكمّي) في عروض الشّعر العربي، وكون هذا الأخير تعادلاً بين التّفعيلات أو بين الأجزاء الصّغيرة المكوّنة للتفعيلات، وهذا ما ذهب إليه "محمّد مندور" إذ يقول: "إنّ النّظام العروضي العربي يبرُز التّعادُل الكمّي بين التفعيلات المُتناظرة أيضاً مثل (فعولن مفاعيلن  ≠  فعولن مفاعلن) ولهذا ينشأ بحر من هذا التّرتيب للوحدات" ([12]).
ومعنى هذا أنّ إيقاع الشّعر العربي يقبل تبادُل أيّ تفعيلتين مُتعادلتين كمّياً وجواز تبادُل المواقع بينهما.
لكن هذا يقُودُنا إلى القول أنّ:
مفاعيلُن = //0/0/0  = v - - - تساوي (مُسْتَفْعِلُنْ = /0/0//0 = - - v -)
                                       تساوي (فَاعِلاَتُنْ = /0//0/0 = - v - -)
أي تبادُل المواقع بين مفاعيلُن ومُستفعلُن وفاعلاتُن جائز، "وليس من شكّ في أنّ هذا ليس صحيحاً في عروض الشّعر العربي كما فهمه الخليل، وليس صحيحاً في تشكّلات الشّعر العربي كما أعاد هذا الكاتب تركيبها، وليس صحيحاً في وزن الشّعر العربي بأيّ مقياسٍ كان " ([13]).
لو سلّمنا بمفهوم التعادل الكمّي عند "مندور" لأصبَحَت كلّ تفعيلة أصل تتعادل مع التّفعيلات المُتفرّعة عنها، ولأصبحَت التفعيلات الفرعيّة أيضاً مُتعادلة فيما بينها:
فعولن = فاعلُن
مفاعيلُن = مُستفعلُن = فاعلاتُن
مفاعلتن = متفاعلُن
مفعولاتُ = مستفعِ لُن = فاعِ لاتُن
وربّما تجاوز الأمر لتُصبح التفعيلات (مستفعلن، مفاعيلن، فاعلاتن، ومفعولاتُ، مستفعِ لُن، فاعِ لاتُن) كلّها مُتساوية.
وعلى العموم فإنّ اعتماد القيمة الكمّيّة للمكوّنات الصّوتيّة في النّظريّة الكمّيَّة هي جوهر النّظريّة وأساسُها، وذلك باعتماد المُزدوجة(قصير،طويل) وأنّ المقطع القصير يُساوي نصف المقطع الطّويل، هذا التصوّر الكمّي يتنافى مع القول بأنّ المقطع القصير (u) يحلّ محلّ المقطع الطّويل (-).
فعندما نقول بتعادُل كمّي بين التفعيلة (مُستَفعِلُن - - u -) و (مُتَفعِلُن u – u –) فإنّ المقطع (u) يُساوي المقطع (-) عملياً من حيث الدّور الإيقاعي، وهذا بخلاف القول الأول الذي تنطلق منه النظرية الكمية والذي مفاده المقطع القصير يساوي المقطع الطّويل، وهذا الكلام يفتقر إلى الدقَّة العلميَّة، ويتناقض من حيث تطبيق المفاهيم الأوّليَّة.
وخُلاصة القول في نقد النّظريَّة الكمّيَّة أنّ تأكيدَها للفرق بين المقطعين مرَّة وإهمالها للفرق مرَّة أخرى يضعُها في مأزق من حيثُ وضع المفاهيم الأساسيّة للنّظريَّة، وهُناك بعض الحُجج التي يُستند إليها لرفض النّظريَّة الكمّيَّة يُمكن تلخيصُها في النّقاط التالية ([14]):
01 – كمّ المقاطع ليس وظيفياً لأنّ الخليل لم يُسند لها أيّ أهمّيّة، ولم يستعمل مفهوم المقطع مُطلقاً.
02 – تبادُل التفعيلتين (مُستَفْعِلُن مع مُتَفْعِلُنْ) على الرّغم من عدم تعادُلهما كمّياً.
03 – عدم تبادُل التفعيلتين (مُستَفْعِلُن وفاَعِلاَتُنْ) على الرّغم من تعادُلهما كمّياً.
04 – التّجارُب المخبريَّة تثبت أنّ كمّيَّة المقطع الطّويل تختلف باختلاف الأصوات التي تُشكّلُه.
05– فشل أصحاب النظريّة الكمّيّة في بناء نظام كمّي مُنسجِم ودقيق ذو قيمة علميَّة. 

[1] - مندور محمد، في الميزان الجديد،، 229 .
[2] - ن م،232 .
[3] - سيّد البحراوي، العروض وإيقاع الشّعر العربي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1993، 85 .
[4] - ن م، 85 .
[5] - أبو ديب كمال، في البنية الإيقاعية للشّعر العربي، 195 .
[6] -  ن م، 196 .
[7] - أبو ديب كمال، ن م، 195 .
[8] - ن م،205 .
[9] - ن م،203 .
[10] - أبو ديب كمال، في البنية الإيقاعية للشّعر العربي، 203 .
[11] - ن م،204 .
[12] - مندور محمد، في الميزان الجديد، 234 – 240 .
[13] - ن م،210 .
[14] - الكفري إسماعيل، مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق، المجلد 73، الجزء 03،1997، 260 .


ليست هناك تعليقات