التسمية

اللّسَانُ السّابِعissane7L

آخر المنشورات:

الـوظيفـة التّمييـزيّة للمقاطع الصوتية:


مع ظّهور الدّراسات الصّوتيّة الحديثة حاول بعض الدَّارسين توظيف هذا المفهوم الجديد في الدّرس العروضي، على اعتبار أنّه يُشكّل وحدة قياس أساسيَّة، والذي يُعرّف على أنّه الحدّ الأدنى من النّطق الذي يُمكن التوقّف عليه، أو هُو أصغر وحدة لفظيَّة في السّلسلة الكلاميَّة.
وتظهر رُكنيَّة المقطع الصّوتي في الدّرس الإيقاعي من خلال اعتماد جميع الأنظمة العروضيَّة عليه سواء كانت كمّيَّة أو نبريَّة أو مقطعيَّة، على اختلاف في التوظيف من عروض لآخر، ففي الشّعر المقطعي يعدّ المقطع هو العُنصُر الصّوتي الجوهري لقياس الأوزان، بينما في الشّعر النّبري يُعدّ مُرتكزاً لتحديد مواضع النّبر.
يُشير "رومان جاكبسون" إلى هذه الحقيقة بقوله: " فالمقطع الطويل عروضيا مرصود لأن يكون مكافئا لجميع المقاطع الطويلة الأخرى والمقطع القصير مرصود لأن يكون مساويا لجميع المقاطع القصيرة الأخرى")[1](، بمعنى أنه في بعض الأنظمة العروضيّة، المقطع هو الوحدة الثّابتة والوحدة المُستعملة في قياس البيت.
لكنّ المقاطع في بعض الأنظمة الأخرى تتفرَّع إلى نوعين هي المقاطع البارزة، والمقاطع غير البارزة، انعكاساً للتّفريق بين المقاطع المنبورة والمقاطع غير المنبورة، على أيّ حال إنّ غالبيَّة الأنظمة النّبريّة ترتكز بصورة جوهريَّة على التفريق بين المقاطع التي تحمل نبر الكلمة، وتلك التي لا تحمل مثل هذا النّبر، أمّا في البيت القائم على الكمّيّة فالتّفريق بين المقاطع البارزة والمقاطع غير البارزة يتجسّد بالتّفريق بين المقاطع الطّويلة والمقاطع القصيرة، فالمقاطع الطّويلة هي البارزة والمقاطع القصيرة هي غير البارزة.
يُمكن تفسير ارتباط المقطع الصّوتي بالنّظام العروضي من خلال توضيح وظيفيَّته من عدمها، ففي اللغة التي يكون عدد مقاطعها ثابتاً إلى درجة أن يؤدّي المقطع وظيفة تمييزيّة، بمعنى انفراد كمّيَّة المقطع بتوجيه المعنى كقرينة لفظيَّة في هذه اللغة يرتكز العروض على المقاطع لإنشاء كمّ يتكرَّر باطّرادٍ وانتظام، وبالتّناوُب بين المقاطع القصيرة والطّويلة.
أمّا اللغة التي يكون النّبر فيها هو من يؤدّي الوظيفة التّمييزيّة، بمعنى تغيّر مواقع النّبر في الكلمة هو ما يُوجّه المعنى، هنا يرتكز العروض على مواقع نبر المقاطع لتكوين بنية إيقاعيَّة مؤسَّسَة على تناوب المقاطع المنبورة، وغير المنبورة بشكل تكراري مُنتظم.
أمّا العروض المقطعي فإنّ الوظيفة التّمييزيّة لا ترجع فيه إلى نوع المقطع ولا إلى مواقع النّبر للمقاطع وإنما إلى ثبات عدد المقاطع.
اعتبر أصحاب الأساس الكمّي تجلّي الإيقاع الشعري محسوساً يُدركه الحسّ، ومع هذا يذهب بعضهم إلى أنّ إيقاع الشّعر العربي كمّيّ مُجرَّد يعتمد المقاطع، وهذا ما انتهى إليه "شكري عيّاد"، إذ اعتبر أنّ الإيقاع المجرّد يقوم على نسب زمنيَّة محدّدة فيكون ذلك قريباً من الإيقاع الكمّي، أمّا الإيقاع الحسّي فيقوم إضافة إلى ما يقوم عليه الإيقاع المُجرّد على ضربات القوّة والضّعف..." ([2]).
وفي المقابل هناك من يرى اعتماد المقاطع لا يُساعد على إدراك فاعليَّة الإيقاع، فذهب إلى أنّ إيقاع الشّعر العربي ارتكازيّ يعتمدُ على النّبر" ([3]).
ويعتبر أنصار الأساس الكمّي الإيقاع حصيلة طبيعيّة لاتّحاد كمّ من المقاطع، فالعبرة بالمعدود الصّوتي، ووحدة المعدود هي أبسط وحدة نطقيَّة (المقطع) وهي وحدة لم يتعامل معها اللغويّون والنّحاة العرب وإنّما الذين اقتربوا منها فعلاً هم العروضيّون في حديثهم عن الأسباب والأوتاد والفواصل ([4]).
ومن هُنا كانت المقاطع الوحدات الصّوتيّة المستعملة في تحليل الأصوات اللغويَّة على اختلاف اللغات هي أصلح ما تنقسم إليه التفاعيل، وقد هيّأ اتّخاذ المقاطع أساساً للأوزان العربيّة وصفاً جديداً للعروض العربي يكشف عمّا فيه (العروض) من مراعاة النّسب.
على ضوء المفاهيم اللسانيّة لكمّ الأصوات فإنّ كمّيَّة الصّوت تعني امتداد الصّوت في"زمن النّطق" وعليه يُمكن ملاحظة نوعين من الكمّ في المنطوق البشري استناداً إلى الوظيفة، فيكون الكمّ موضوعياً إذا كان لا يُؤدّي أيّ وظيفة تمييزيّة، ويكون الكمّ ذاتياً إذا كانت له وظيفة.
أ – الكمّ الموضوعي: يرتبط بعوامل أساسيّة نلخّصها فيما يلي:
01 – سرعة الكلام: يزداد طول الأصوات إذا كان الكلام بطيئاً وانعكس.
02 – الخصائص النّطقيَّة للصَّوت:  المقطع المفتوح أطول من المقطع المُغلق، ومن المؤكّد أنّ الكمية الموضوعية للأصوات ما دامت مرتبطة بأداء المتكلم يصعب قياسها وتحديدها ولهذا كانت اختلافاتها لا تؤدّي أيّ وظيفة تمييزيّة بالمعنى اللساني للكلمة أي لا تؤثّر في معنى الكلمة.
ب – الكمّ الذاتي:
مرتبط أساساً بالبنية الصَّرفيَّة للغة، فهذا الكمّ اللغوي له وظيفة دلاليّة ينتج من التّغيير في بنية الكلام الصّرفيَّة. هذا الكمّ يظهر بدرجتين مختلفتين من الكمّيَّة يستطيع كلّ من السّامع والمُتكلّم إدراك هذا الاختلاف الكمّي، فالصّوت الطّويل تكون كمّيّته أطول بصورة ملحـوظة ومؤكّدة من كمّيَّة نظيره القصير، ويُمكن أن يُمثّل لهذا الكمّ الذاتي الوظيفي بالمفردتين (إِمَاء، وإِيمَاء) فطـول المقطع هنا وظيفي أدى إلى تغيير في المعنى، وكذلك بالفرق بين صيغتي (فَعَلَ، وفَاعَلَ) ([5]).
تحــوّل التّفعيــلات: تفسّر النّظريّة الكمّيَّة التحوّلات التي تطرأ على التفعيلات بالقول أنّ في التفاعيل الأساسيَّة الثلاثيّة أو الرّباعيّة المقاطع، يُمكن تحويل مقطع طويل واحد إلى مقطع قصير شرط أن لا يكون هذا المقطع جزءاً من الوتد ([6]).
وبيان ذلك على مستوى التّفاعيل هو:
فعولن v - -   = فعولُ  vv
المحافظة على موقع الوتد واستبدال مقطع طويل بقصير.
فاعلن: - v - = فَعِلُن v v -
المحافظة على موقع الوتد واستبدال مقطع طويل بقصير.
مُستفعلن: - - v -  =  متفعلن: vv
مفتعلن: - v v
فعلتن: v v v
التّعــادُل الكمّـي:
في هذا الباب تقصي النظريَّة الكمية  التساوي الزّمني المطلق كشرط أساسي لخلق الحركيّة الإيقاعيَّة.
استناداً إلى بعض التّعاريف:
تعريف م غرامونت: " في جميع الأنظمة العروضيّة يتشكّل الإيقاع من تكرار أزمنة موسومة أو نبرات إيقاعيّة على مسافات متساوية بصورة محسوسة ".
تعريف هـ. موريه: "الإيقاع تكرار علاقة أو إشارة ثابتة على مسافات زمنيّة متساوية بصورة محسوسة".
من خلال التّعريفين يتبيّن أنّ عبارة "صورة محسوسة" تعني أنّ التعادُل المُطلق ليس شرطاً ضرورياً للإحساس بالإيقاع.
ومن هنا يرى أنصار النّظريّة الكمّيَّة أنّ تغيير الزّمن بنسبة ضئيلة لا تُخلّ بجودة الإيقاع فالاختلافات الزّمنيَّة إذا كانت بقيمة مهملة لا تؤثّر في البنية الكلاميّة للإيقاع، ففي دراسة مخبريَّة حلّل فيها "محمّد مندور" بيتاً لـ "امرئ القيس" أثبتت نتائجُها أنّ الزّحافات والعلل لا تُغيّر شيئاً في كمّ التفاعيل عند النّطق وهي لا تُكسر الوزن" ([7]).
إضافة إلى هذا فإنّ العروض العربي لا يقبل مثلاً تبادل المواقع بين فاعلاتن ومستفعلن رغمَ تحقّق شرط التّعادُل الزّمني المُطلق، أو بين مفاعيلُن و فاعلاتُن، وهذا ما يُرجّح حجّة أصحاب النظريّة الكمّيّة.


[1] - Romane Jakobsone , Essai de linuistique generale editions de minuit ,1963، 220
[2] - عياد شكري، موسيقى الشّعر العربي، 55 .
[3] - الكعبي ربيعة، العروض والإيقاع في النظريات الحديثة للشعر العربي،مركز النشر الجامعي، تونس، 2006، 55 .
[4] - عياد شكري،  موسيقى الشّعر العربي، 55 .
[5] - الكفري إسماعيل، مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق، المجلد 73، الجزء 03، 1997، 264 – 269 .
[6] -  ن م، 77.
[7] - مندور محمد، في الميزان الجديد، الطبعة الأولى، مؤسسات ع. بن عبد الله، تونس 1988، 231 .

ليست هناك تعليقات