التسمية

اللّسَانُ السّابِعissane7L

آخر المنشورات:

الاتجاه الصـوتي للدراسات الإيقاعية العربية:


إن النظر في إيقاع الشعر العربي يلزم الباحث بالتعريج على نتائج النظرية الخليلية التي أسست للنظام العروضي العربي، ومع هذا يذهب معظم الدّارسين إلى اتّهام الخليل بالقصور عن نقل إيقاع الشعر العربي بمعناه العلمي الدّقيق، لكنّ النظر في مقوّمات نظرية الخليل يتطلب التدبّر في أخبار الخليل المتواترة حول معرفته بالإيقاع وتأليفه كتابا فيه، وتأليفه كتابا آخر في النظم، وثبات أخبار أخرى تدلّ على علمه بالموسيقى([1])، ورغم تسليمنا بأنّ الخليل لم يكن له أن يقيس الأوزان بالأجهزة الحديثة ولا بالترقيم الموسيقي فإنه لا يُمكن أن نصنّف الخليل ضمن النظريّات اللفظية التي اعتمدت وزن الشّعر، فهذا التصنيف يضع الخليل في زاوية غير العارف بما دون الألفاظ في الشّعر في حين علمُه بالأصوات وبالنّغم وبالإيقاع ثابت([2]).
لم يكن للخليل أن يتنبأ بنظام صوتي على غرار النظام الحديث الذي يستعين بالأجهزة    الحديثة، ويقيس بوسائل عصريّة، كما لم يكن له أيضا أن يتّخذ من نظام النّوتة الموسيقيّة مقداراً وزنياً، لكنه تحرّك في مجال ما أتيح له من علم الأصوات والأقيسة الصرفيّة، فهو أوّل من استخدم الترتيب الصوتي في معجمه دون أجهزة صوتيّة.
فاعتماد الخليل للمقاييس اللفظيّة (التّفاعيل) ألزمه بالتقيّد بعلم العروض الذي جاء به، دون اللجوء إلى الدّراسات الصّوتيّة المجرّدة، أو الموسيقيّة الصّرفة. فمعرفته بالأصوات على أساس أنّها أصوات لغويّة لأنّها مدار الألفاظ التي يقوم عليها الشّعر، ووصفه لإيقاع الشعر لا على اعتبار الشّعر موسيقى وإنما على أساس محاكاة بيت الشعر في إيقاعه، للجملة الموسيقيّة في إيقاعها فقط، ومن المفاهيم الخليلية في هذا مايلي:
أ - المتحرّك والسّاكن: في كتب العروض العربي تواترت مفاهيم ومبادئ عامّة اعتمدها الخليل في عروضه، لكنّ أغلبها غير مفهوم لدى المحدثين، وربّما غير مستغلّ كما أراده الخليل. وهذا ما دفعهم إلى محاولة وضع النظريّات الجديدة على أنقاض هذه المفاهيم، فاعتماد الخليل على المتحرّك  والسّاكن، وإهماله للمقاطع الصّوتيّة جعل نظريّته مثار جدل كبير.
فكتب العروض كلّها تتّفق على أنّ معرفة السّاكن من المتحرّك هي أساس علم العروض، وسلامة الوزن موقوفة على سلامة التّمييز بين المتحرّك والسّاكن.
"فمعرفة الساكن من المتحرّك هو أصل علم العروض، ومن لم يكن في طباعه معرفة ذلك فليس يصلُ إلى علم العروض البتّة " ([3]).
فالمسلك إلى علم العروض معرفة مسائل بعينها هي مسائل صوتيّة، أوّلها التّمييز بين السّاكن والمتحرّك، فهذا الأمر في الشّعر له أثره في صحّة الرّواية وتداخل الأوزان وتحديد ما يحدث في الأجزاء من تغييرات "زحافات وعلل".
وللسّاكن والمتحرّك مكانتهما في الدّراسات اللغويّة العربيّة، فقد تناول علماء العربيّة حركة الحرف من مختلف المستويات اللغويّة فناقشوا الحركة والسّكون من النّاحية الصّوتيّة والصّرفيّة والنّحويّة.
فعلامة السّكون وحدها نُوقشت بإسهاب في كتب اللغة حيث نُوقشت حتّى فيما يتعلّق برمز كتابتها، فهي:([4])
فاءٌ فوق الحرف دلالة على (الخفّة).
ورأس جيم للدّلالة على معنى (اجزم).
ورأس ميم بمعنى (اجزم).
ورأس (حاء) بمعنى (اشرح).
وعلامة صفر (0) وهو الذي لا شيء فيه من العدد.
والاحتمال الخامس هو الأرجح فالسّكون من النّاحية الصّوتيّة خال من التحقيق الصوتي أي ليس له أثر مادي من ناحية النطق الفعلي([5])،أما بيان القيمة اللغوية للسكون من الناحية الصوتية فهو        الأهم،  بحيث يُحدّد ما إذا كانت صوتاً لغوياً أم لا، والواضح أنّ الدّراسات الصّوتيّة لا تعتبر السّكون صوتاً لغويّاً أي أنه شيء لا يُنطق ولا يُسمع([6]).
وعلى هذا نستطيع القول: "أنّ السّكون لا يُتلفّظ به، ولا وُجود له من النّاحية النّطقيّة الفعليّة، أوهو عدم الصّوت، أي عدم الحركة، وإنّما فسّرنا الصّوت هنا بالحركة بالذّات لأنّ مناقشة علماء العربيّة للسّكون تدور في جملتها حول كونه حركة أو غير حركة، وحول بيان موقعه من الحركات الإعرابيّة وعلاقته بها" ([7]).
وهذا الكلام يقودنا إلى قول الفارابي الذي يؤكّد أنّ  المتحرّك هو أساس الإيقاع والوزن "وإذا أردنا أن نقرن القول بنغم مؤلّفة فإنّا نعمد أوّلاً لتقصّي عدد نغم اللحن، ونحصي عدد حروف القول غير المصوّتة، وما كان فيها من المصوّتة أضفناها إلى غير المصوّتة وعددنا كلّ مصوّت مع غير المصوّت المقرون به كحرف واحد "([8]).
ويُوضّح إخوان الصّفا حقيقة الحركات والسّكنات التي تفصلها في الإيقاعات والنّغمات بقولهم: "والنّغمات المتّزنة لا تحدث إلا من حركات متواترة بينها سكنات متتالية " ([9]).
إنّ كلّ نقرتين من نقرات الأوتار وإيقاعات القضبان لا بدّ أن يكون بينهما زمان سكون طويلاً كان أم قصيراً "([10]).  فكذلك الشّعر يقوم على التّناوب بين الحركة والسّكون.
وتقوم اللغة العربيّة في نظام الإيقاع الشّعري على مبدإ التّناسُب الجمالي حيث يخضع التّوازن الإيقاعي فيها لبعض الضّوابط أهمّها: ([11])
1 - لا يجتمع في الشعر خمس متحرّكات ليس بينها حرف ساكن البتّة.
2 - الشّعر لا يجوز فيه توالي أكثر من أربع حركات، وهذا قليل.
3 - كثرة الحركات والسّكنات لا تُستحسنان في الإنشاد.
4 - إنّ أعدل ما يُبنى عليه الشّعر متحرّكين فساكن (مثل وثلث).
ففي باب الجمع بين الساكن والمتحرك جاء:" أما المتحركات فليس  يجوز أن يجمع منها في شعر خمس متحركات تتوالى ليس بينها حرف ساكن البتة، لا تتوالى في حشو بيت مثل (جعل لك)، فأما في الكلام فقد تتوالى ست حركات وأكثر، إذا كان ذلك في كلمتين مثل ذهب وسكن سلس حسن، وأما الشعر فلا يجوز أن تتوالى فيه أكثر من أربع حركات، وذلك  قليل، وليس ذلك بحسن في الإنشاد،  وكذلك السواكن إذا كثرت في البيت لم تكن له عذوبة، وكثرة الحركات أحسن من كثرة السواكن وأعدل".([12])
 وتقبل العربيّة أن يقوم توازنها الإيقاعي في الشّعر على ثلاث متحرّكات فساكن وهي الفاصلة الصّغرى على أن يُتجنّب تعاقب فاصلتين، ويستثقل الذّوق أربع حركات فسكون ولا يقبله إلا على مضض.
 ومن الحركة والسّكون ركّب الخليل المواقع" الأسباب والأوتاد " فنجد حركة  فساكن، أو متحرّكين ولا نجد ساكناً فمتحرّك، وفي الوتد حركتان فسكون، أو حركة فسكون   فحركة.
ويُمنع السّاكن بعده متحرّكان، ولا يأتي ساكنان بعدهما متحرّك، ومن الأسباب والأوتاد ركّب الخليل الأجزاء "التّفاعيل".
ويُشير إخوان الصّفا إلى هذا المنهج في البناء والقائم على التدرّج في التركيب عبر مراحل، من الأصل الأصغر إلى المركّب منه، لكن بصورة عكسيّة، حيث اختاروا التّفكيك فانطلقوا من التّركيب الأكبر، وتدرّجوا إلى الأصل الأصغر وذلك بقولهم: "كما أنّ الأشعار مركّبة من مصاريع  والمصاريع مركّبة من مفاعيل والمفاعيل مركّبة من الأسباب والأوتاد والفواصل، وأصلها كلّها حروف متحرّكات وسواكن "([13]).
هذا عن دراسات القدامى، أمّا الدّراسات الحديثة فقد تأثّرت بشكل كبير بالمناهج الغربيّة، وذهبت إلى البحث في وظائف الصّوت اللغوي  وحاول الكثير من الباحثين اعتماد المقطع اللغوي إزَاءَ الدّرس الإيقاعي، بل أكثر من ذلك فقد عاب بعضهم على الخليل عدم تفطّنه إلى المقطع الصّوتي، فركّزت معظم الدّراسات الحديثة على المقطع والنّبر لدراسة أوزان الشّعر العربي متأثّرة في ذلك بمفاهيم علم الصّوتيّات وتحليل الغربيّين للغة، فجاء كتاب "في الميزان الجديد" لمندور محمد يُمثّل الاتّجاه الصّوتي لدراسة العروض العربي في العصر الحديث أحسن تمثيل، وقد خصّص مندور فصلاً في كتابه هذا لدراسة الشعر الأوربّي وفصلاً ثانياً لدراسة الشّعر العربي، على ضوء دراسة قام بها بمعهد الدّراسات بباريس على ثلاثة من بحور الشّعر العربي هي: الطّويل والبسيط والوافر([14]).
ولعلّ هذه الرّؤية التي أفرد لها كتاباً كانت إرهاصاتُها في مقال له في مجلّة الآداب بجامعة الإسكندريّة بعنوان: (الشّعر العربي غناؤه وإنشادُه ووزنه).
ويصل مندور من خلال هذه الدّراسة المقارنة للعروض العربي  إلى أنّ الخليل وضّح حقيقة أساسيّة في الشّعر العربي لا نستطيع أن نغفلها وهي انقسام كلّ بيت إلى تفاعيل متساوية كما هو الحال في الرّجز والهزج وغيرهما أو متجاوبة   (التفعيل الأوّل يساوي الثالث والثاني يساوي الرّابع) كما هو الحال في الطويل والبسيط وغيرهما([15]).
إلا أن مندور يأخذ على الخليل إغفاله للمقطع الصّوتي فيستدرك بقوله: "لكنّنا لا نكاد نترك وجود التّفاعيل إلى بنية تلك التّفاعيل حتّى نختلف مع الخليل، وذلك لأنّه لم يدلّنا على وحدة الكلام وهي المقطع، وأكبر ظنّي أنّ الخليل لم يعرف العروض اليوناني، وإلاّ لفطن إلى المقطع"([16]).
إنّ مندور لا يُشكّك في معرفة الخليل بعلم الإيقاع والانسجام (harmonique) عند اليونان لكنّه يرجح عدم معرفته بالعروض اليوناني لأنّه حسب قوله لو عرف الخليل هذا العروض لتفطّن إلى المقطع الذي هو وحده الكلام الأساسيّة، إضافة إلى هذا يسوق الأسباب التي حجبت عن الخليل معرفة المقطع كما يلي:
أ - عدم كتابة الحروف الصّائتة القصيرة التي نسمّيها الحركات (الفتح، الضمّ، الكسر) في صلب الكتابة العربيّة. بمعنى أنّنا نكتفي برسم الحروف الصّامتة، أمّا الصّائتة فلا نكتب إلاّ الطّويل منها، فالخليل لم يفطن إلى أنّ الحروف الصّائتة القصيرة تكون مع الحرف الصّامت([17]).
ب - غلبة الحروف الصّامتة على الصّائتة في العربيّة، وتلك الحروف يقع معها عادةً الوقف، أي السّكون، ولهذا لاح للخليل أنّ التّتابع إنّما يقع في الحركات والسّكنات([18]).
لكن مندور في هذا المقام أثار شُكوكاً حول عمل الخليل، وفي النّهاية لم يقدّم سوى ثلاث مقاطع لوصف الوحدة الأساسيّة للكلام، أم أنّه لم يتفطّن إلى أنّ مقاطع الكلام في العربيّة خمساً بل هناك من يعتبرُها ستا  كما فعل حسان تمام في كتابه مناهج البحث في اللغة، لكن مندور يرى أنّ هناك " حقيقة لغويّة تصدق على كلّ لغة وهي أنّ المقطع هو وحدة الكلام، وفي اللغة العربيّة أربعة أنواع من المقاطع "([19]) لكن عندما يعدّدها لا يذكر إلاّ ثلاثاً هي:([20])
1 - المقطع القصير المفتوح: وهو المكوّن من حرف صامت وحرف صائت طويل.(ألف أو واو   أو ياء (حرف اللين) مثل " كا " في " كانت ".
2 - المقطع الطّويل المزدوج: وهو المكوّن من حرف صامت، وحرفين صائتين، مثل "بي" (bai) في "بيت" مع احتفاظنا بالمناقشة العلميّة التي تدور حول طبيعة الياء في هذا المقطع أهي صائتة أم صامتة.
3 - المقطع المغلق: وهو المكوّن من حرف صامت ثمّ حركة ثمّ صامت آخر نحو "تُنْ" في "بيتن" والحرف الصّائت في هذا المقطع قصير دائماً.
فهذا قانون هام من قوانين اللغة العربيّة وليس له استثناء إلاّ في حالات محصورة أهمّها: حالات الوقف على الاسم المنوّن مثل "نار" فهي تتكوّن في هذه الحالة من مقطع واحد مغلق حرفه الصّائت طويل ([21]).
نخلص إلى أنّ المقاطع التي قدّمها مندور قاصرة على أن تكون تمثيلا حقيقياً للوحدة الأساسيّة في الكلام العربي، فهذا التّقسيم خالٍ من الدّقة العلميّة ويعتوره كثير من الخلل والخطأ.
فالمقطع (1): ص ح ح ليس مقطعاً قصيراً مفتوحاً، وإنّما هو مقطع طويل مفتوح.
والمقطع (2): ص ح ص ليس مقطعاً طويلاً مزدوجاً وإنّما هو متوسّط مغلق.
والمقطع(3): ص ح ص هو نفسه المقطع الثاني، إذا اعتبرنا الياء حرفاً صامتاً، وهو نفسه المقطع الأوّل إذا اعتبرنا الياء حرفاً صائتاً.
أمّا المقطع الرّابع فلم يُشر إليه إطلاقاً، فقد أسقطه سهواً، أو نسياناً.
إذن لم يبقَ لمندور سوى مقطعين اثنين، لا يُمكنهما تشكيل الوحدة الأساسيّة للكلام العربي فلو اعتمد أسباب الخليل وأوتاده لكان أسلمَ إلى دراسته وأكثر دقّةً وعلميّة.
وما دام الحديث عن المقاطع اللغويّة قد أسالَ حبراً كثيراً فلا بأس من تفصيلها بعرض النّظام المقطعي للغتنا، والذي يُمثّل إجماع الكثيرين من دارسي العربيّة.
التّقسيم الأوّل هو تقسيم أحمد مختار وهو يُقسّمها إلى ثلاثة مقاطع فقط بقوله: "أمّا المقاطع الموجودة في اللغة العربيّة الفصحى فهي في الحقيقة ثلاثةٌ فقط هي:
(س ع) و (س ع س) و (س ع س س)
ويُمكن عن طريق إطالة العلّة أن تُصبح ستّة إذا رمزنا للعلّة الطّويلة برمزين هكذا:
(س ع ع) و (س ع ع س) و (س ع ع س س) ومثالها على التّوالي: ضَ من  ضَرَبَ، لم، شعب، ما، باع، ضالّ من ضالّين" ([22]).
أمّا حسان تمام فيعتبر المقاطع تعبيرات عن نسق منظم من الجزئيّات التّحليليّة أو خفقات صدريّة في أثناء الكلام أو وحدات تركيبيّة، أو أشكال وكمّيات معيّنة فيُمكن إذاً أن يُخلق نظام رمزي للمقاطع طبقاً للنّظرة الأولى أو الثانية أو الثالثة أو الرابعة، أي تبعاً لوجهة النظر التي ينظر بها إلى هذه المقاطع ولناحية دراستها دراسة معيّنة"([23]).
هذا يعني أنّ عمليّة الترميز لا ضير فيها بل هي موقوفة على الدّراسة، وصاحبها فالمقطع:([24])
01- من جهة اعتباره تعبيراً عن نسق منظّم من جزئيّات التّحليل اللغوي فيخصّص رمزاً للصّحيح وآخر للعلة.
02 – ومن وجهة نظر الموسيقيّين باعتباره خفّة صدريّة فإنّ أيّ رمز كالنّقطة، والسّهم كافٍ ليدلّ على المقطع في كمّيّاته وأشكاله.
وبهذا الاعتبار يُمكن التّعبير عن عدد من المقاطع في كلمة مثل " كُتُبْ " بالرّمز (- -).
ولقد بنى العروضيّون من العرب مقاييسهم العروضيّة بناءً على هذه النّظرة على ما يبدو، وحيث نظروا إلى المقاطع باعتبارها خفقات صدريّة أو وحدات إيقاعيّة أو شيئاً له هذه الطّبيعة، ووصفوا النّظام الإيقاعي العروضي باستخدام الاصطلاحين (حركة وسكون) ودلّوا على الحركة بشَرطة، وعلى السّكون بدائرة. واعترفوا بثلاث إمكانيّات إيقاعيّة: ([25])
01 – (-) تدلّ على ما يُساوي ص ع.
02 – (- 0) تدلّ على ما يُساوي (ع ص)، (ص ع ص)، (ص ع ع).
03 – (- 0 0) وتدلّ على ما يُساوي (ص ع ع ص) أو (ص ع ص ص).
والمُلاحظ على هذه الرّموز الثلاث أنّ كلّ رمز ينضوي تحته مقطع أو أكثر باعتبار أنّ العروض العربي لم يُبنَ على المقاطع، كما أنّ الرمز (- 0 0) يكون غالباً في القافية.
إضافةً إلى أنّ هذا الفصل بين الحركة والسّكون جاء على عكس ما قام عليه علم النّحو عند العرب بالجمع بين الحركة والسّكون.
وعلى خلاف ما جرى في الدّراسات الصّوتيّة من أنّ المقاطع اللغويّة خمسة يُضيف حسان تمام مقطعاً سادساً:
01 – ع ص قصير مقفل.
02 – ص ع قصير مفتوح.
03 – ص ع ص متوسّط مقفل.
04 – ص ع ع متوسّط مفتوح.
05 – ص ع ع ص طويل مقفل.
06 – ص ع ص ص طويل مزدوج الإقفال.
وللإشارة فإنّ المقطع الأوّل يتحقّق في " ال" التّعريف، كما أنّه قرين همزة الوصل التي تحقّق في بدء الكلام فيكون مقطعها (ص ح ص) في بداية الكلام.
أمّا في وسط الكلام فإنّ "ال" التّعريف وهمزة الوصل يتمّ وصلهما بما قبلها في دَرَج الكلام، فنصل الحركة (ح ص) بالمنطوق قبلها.
ولقد أعطى بعض المستشرقين مفهوم المقاطع أهمّيّة كبرى حين اعتقدوا أنّ هذا المفهوم بمقدوره أن يكون أساساً لنظرة جديدة في العروض العربي، وهذه الرّؤية حسب رأيهم ستكون أشمل وأبسط من النّموذج الخليلي.([26])
فنظام المقاطـع قد يَفْضُلُ ما جرى عليه أهل العروض من تحليل البيت إلى تفاعيل، وذلك لأنّ المقطع كوحدة صوتيّة يشترك في جميع اللغات، وله أساس علمي يعرض له علم الأصوات (Phonetics) فيحلّل كلّ كلام سواء أكان نثراً أم شعراً إلى مقاطع صوتيّة يختلف نظام تواليها وأنواعها باختلاف اللغات في العالم.([27])
لكن جهود الباحثين في الاتّجاه الصّوتي لا تعدو أن تكون إعادة ترميز لتفعيلات الخليل برموز المقاطع الصّوتيّة أو برموز الأبجديّة العالميّة.
غير أنّ هذا لم يُضف إلى الدّراسات العروضيّة جديداً، ولو اعتمدنا المقاطع المُشار إليها سابقاً يُمكن وصف تفاعيل الخليل كما يلي:
مفاعيلن: م، ـَـ، ف، ـًـ، ع، ـًـ، ل، ـْـ = ص ح ص ح ح ص ح ح ص ح ص
مستفعلن = ص ح ص ص ح ص ص ح ص ح ص
فاعلاتن = ص ح ح ص ح ص ح ح ص ح ص
متفاعلن = ص ح ص ح ص ح ح ص ح ص ح ص
مفاعلتن = ص ح ص ح ح ص ح ص ح ص ح ص
فعولن = ص ح ص ح ح ص ح ص
 فاعلن = ص ح ح ص ح ص ح ص
مفعولات = ص ح ص  ص ح ح ص ح ح ص ح
وللإشارة فإنّ (مستفعِ لن) ذات الوتد المفروق لها نفس تمثيل مُستفعلن ذات الوتد المجموع وكذلك (فاع لاتُن) لها نفس تمثيل (فاعلاتُن).
01 - الملاحظة الأولى على تمثيل التّفاعيل برموز المقاطع الصّوتيّة هي أنّ المقطعان (ص ح ص ص) و (ص ح ح ص) لا وجود لهما.
02- المقطع (ص ح) ورد مرّة واحدة في جميع التّفاعيل عدا مفاعلتن و متفاعلن حيث ورد ثلاث مرّات.
03 – يبدأ الوتد المجموع في كلّ التّفاعيل بالمقطع (ص ح) وينتهي بالمقطع (ص ح ح) إذا كان هذا الوتد في أوّل التّفعيلة أوفي وسطها، أمّا إذا كان في آخر التّفعيلة فإنّه ينتهي بالمقطع ص ح ص.
04 – يمثّل السّبب الثّقيل بالمقطع (ص ح ص ح).
05 – تنتهي كلّ التّفعيلات بالمقطع (ص ح ص) عدا مفعولاتُ.
إنّ تمثيل التّفعيلات عن طريق المقاطع الصّوتيّة أمرٌ غير وظيفي من النّاحية العروضيّة، ولا يُفيد في شيء من ناحية التأصيل أو التّقعيد العلمي للعروض، بل على العكس يخرق كثيراً من مبادئ الخليل، فلا يُمكن أن نقوم بعمليّة التّبديل الدّوراني على أساس المقاطع، كما تُصبح التّفاعيل كلّها سواء فلا تُوجد تفعيلة أصل وأخرى فرع، كما أنّ هذا الوصف يذهب بالوتد المفروق الذي يلعب دوراً مهمّاً في تأصيل النّظريّة الخليليّة.
ولو عدنا إلى تعريف نظريّة الإيقاع: كلّ نظريّة إيقاعيّة تدرُس وحدات منفصلة تجمع حسب مستويات مرتّبة، ينظر إليها من زاويتي الائتلاف والاختلاف" ([28]).
ومعنى هذا أنّ الوحدات المنفصلة مواقع قد تكون عناصر لغويّة أو موسيقيّة أو غيرها، وهذه الوحدات يجب أن تكون منفصلة مثل الأسباب والأوتاد بارزة في التّحديد، وليست هلاميَّة زئبقيَّة لا يُمكن القبض عليها مثل النّغم والتّنغيم والنّبر... إلخ.
وهذه الوحدات إذا قامت على مبدأ الائتلاف والاختلاف، وهو مبدأ لساني يُسمّى عند "سوسير" (التّمايُز والاختلاف) إذا قامت على هذا المبدأ تُصبح صالحةً لبناء نظريَّة إيقاعيَّة كما جاء في التّعريف السّابق.
وإذا أمعنا النّظر في عروض الخليل نجده يُحقّق هذه النّظريّة بشكل مُذهل.
فعند الخليل نجد: (الحركة والسّكون).
(السّبب والوتد).
(السّبب الثقيل، السّبب الخفيف).
(الوتد المفروق، والوتد المجموع).
(الفاصلة الصّغرى، والفاصلة الكبرى).
(الزّحاف، والعلّة).
(الأصل، والفرع).
(التّمام، والجزء).
فهذا المبدأ الذي تقوم عليه أي نظريَّة في الإيقاع يتجسّد بشكلٍ واضحٍ وجليّ في عروض الخليل، من خلال المفاهيم التي جاء بها الخليل، أمّا المقاطع الصّوتيّة فهي لا تحقّق هذه الازدواجيّة، وهذا التّناظر الثّنائي في العربيّة، وعلى العكس من هذا فإنّ الإنجليزيّة تقوم على المزدوجة (مقطع قصير، ومقطع طويل)، و(مقطع منبور، ومقطع غير منبور).
أمّا عن تجمّع الوحدات المنفصلة حسب مستويات مرتّبة فيُمكن أن نلحظ هذا في النّظريَّة الخليليّة، إضافة إلى أنّ هذا التّجميع يتّبع مبدأ الاقتصاد.
فالخليل انطلق من السّاكن والمتحرّك ليركّب منها الأسباب والأوتاد في المستوى التّالي وليركّب من الأسباب والأوتاد التّفاعيل، ثمّ في مستوى رابع يُركّب الوحدة الإيقاعيّة، ثمّ من الوحدة الإيقاعيَّة الشّطر ثمّ البيت، فهذا التّرتيب التّصاعدي عنصر هيكلي في بناء النّظريّات العروضيّة ومبدأ هام.
وفي الأخير لا بُدَّ أن يُراعى مبدأ الاقتصاد عند الانتقال من مستوى إلى مستوى أعلى، فأدنى تجمّع للوحدات هو "02 " أي وحدتين، فإذا أردنا تجمّعاً آخر يكون أعلى منه فنجمع ثلاث وحدات. وهذا المبدأ يُسمّيه أصحابُه مبدأ (2 - 3) ومن العجيب أنّ عروض الخليل خاضعٌ بصفة جليَّة إلى هذا المبدأ  ([29]) فالأسباب مكوّنة من حرفين، والأوتاد مكوّنة من ثلاثة حروف، والتّفعيلة مكوّنة إمّا من (سبب ووتد) أي وحدتين، وإمّا من (وتد وسببين) أي ثلاث وحدات.



[1] - الكعبي ربيعة، العروض والإيقاع في نظريات الشعر العربي،327
[2] - ن م،331
[3] العروضي أبو الحسن، الجامع في العروض والقوافي، مؤسسة الثقافة الجامعية، الإسكندرية 2008، 51
[4] بشر كمال، دراسات في علم اللغة،  دار غريب للطباعة والنشر، القاهرة 1998، 141،142
[5] ن م،142
[6] ن م،145
[7] ن م،146
[8]  إالفارابي، الموسيقى الكبير، 1100
[9] إخوان الصفا، رسالة في الموسيقى، دار صابر   بيروت 2004، 192
[10] ن م،200
[11] الكعبي ربيعة، العروض والإيقاع في النظريات الحديثة للشعر العربي، 46
[12] العروضي أبو الحسن، الجامع في العروض والقوافي، 53
[13] إخوان الصفا، الرسائل، 197  ج01
[14] مندور محمد، في الميزان الجديد، 262
[15] ن م،259
[16] ن م،259
[17] مندور محمد، في الميزان الجديد، 260  
[18] ن م،260
[19] ن م،260
[20] ن م،260
[21] ن م،260،261
[22] أحمد مختار، دراسة الصوت اللغوي، عالم الكتب، القاهرة،301
[23] حسان تمام، مناهج البحث في اللغة، دار الثقافة، المغرب، 1986، 170
[24] ن م،171
[25] حسان تمام، مناهج البحث في اللغة، 171
[26] حركات مصطفى، قواعد الشعر، المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية، الجزائر، 1989، 218
[27] إبراهيم أنيس، موسيقى الشعر، 146
[28] حركات مصطفى، نظريتي في تقطيع الشعر، دار الآفاق الجزائر، 201
[29] حركات مصطفى، نظريتي في تقطيع الشعر العربي، 202

ليست هناك تعليقات