التسمية

اللّسَانُ السّابِعissane7L

آخر المنشورات:

دوائر الخليل بن أحمد الفراهيدي وفكرة الدائرة الواحدة:


تقوم نظريّة الخليل على ركن أساسي هو نظام الدّوائر، وعلى الرّغم من إمكانيّة معرفة أوزان البحور من دون اللجوء إلى الدّوائر، إلا أنّ هذه الأخيرة مرتبطة بأصول النّظريّة إضافةً إلى دورها    التّعليمي، فهي تمكن من استنتاج أوزان البُحور وتذكّرها من غير حفظ.
وتكاد كُتُب العروض الحديثة تغضّ الطّرف عن الدّوائر العروضيَّة أو تُغفلها إغفالاً شبه تام، وكأنّ دراسة الدّوائر وتوضيحها لا جدوى منه ولا طائل من ورائه، لكن هذا الإهمال قد يحذو بنا إلى إهدار جهود عظيمة قام بها الخليل حتّى وصل إلى نظامه هذا أو نظريَّته العروضيَّة الشّاملة، ثمّ إنّ جهود الخليل العظيمة في علم اللغة وعلم الإيقاع والمفاهيم الرّياضيّة لا يُستهان بها، فقد استطاع أن يجمع كماّ هائلاً من الشّعر العربي، واستقرأه استقراءً دقيقاً  أوصله إلى بناء علم العروض بدوائره الخمس وأوزان الشّعر مهملها ومستعملها.
لكن الخليل لم يسلم من انتقادات العروضيين بعده،  القدامى منهم والمحدثين حول  مفهوم الدّائرة، فالكثير منهم يرى أنّها مجرّد طريقة لتصنيف الأوزان، وأنّها  زادت العروض تعقيداً لعدَّة أسباب أهمّها:
01 – العدد الكبير للدّوائر، والمتمثّل في خمس دوائر.
02 – الأوزان المستعملة في الواقع الشّعري تختلف عمّا ينتج عن الدّوائر.
فذهب بعض الباحثين إلى تقليص عدد هذه الدّوائر، ومنهم من أراد اختزالها في دائرة واحدة، " وهذا الحلم بالوحدة والكمال ليس جديداً، إذ أنّنا نعرف أنّ كثيراً من الشّعراء العروضيّين أو العروضيّين الشّعراء قد حاولوا في القديم النّظم حول البحور المهملة، وكان الغرض من هذا أن يتّسع نطاق الأوزان العربيّة حتّى يشمل كلّ ما ينفكّ من الدّوائر الخمس" [1].
ودوائر الخليل كما أشار إليها أبو الحسن العروضي:
"اعلم أنّ العروض خمس دوائر، وخمسة عشر باباً، وأربعٌ وثلاثون عروضاً، وثلاثة وستّون          ضرباً، فالدّائرة الأولى تُسمّى دائرة المختلف، وفيها ثلاثة أبواب: الطّويل والمديد والبسيط، والدّائرة الثانية تُسمّى المؤتلف، وفيها بابان: الوافر والكامل  والدّائرة الثّالثة تُسمّى المجتلب وفيها ثلاثة أبواب: الهزج، والرّجز، والرّمَل، والدّائرة الرّابعة تُسمّى المشتبه، وفيها ستّة أبواب: السّريع والمُنسرح والخفيف والمُضارع والمقتضب والمجتثّ. والدّائرة الخامسة تُسمّى دائرة المتّفق، وفيها على مذهب الخليل بابٌ واحد وهو المتقارب " [2].
لكنّ بعض  العلماء لاحظوا أنّ هذه الدّوائر نوع من التعسّف، واحتجّوا بأنّ الخليل قد افترض لبعض البحور أصولاً، لم يستعملها العرب مثل: المضارع والمقتضب، وأنّه قد جمع في الدّائرة الواحدة أبحُراً يقترب بعضها إلى أبحر في دائرة أخرى نغمياً أكثر من اقترابه إلى أبحر دائرته مثل: المديد، الذي يُصنّف في دائرة الطّويل مع أنّه أقرب إلى الرَّمَل من حيث النّغَم.
ومن القُدامى من حاول أن يختزل دوائر الخليل، فقد حاول السّكّاكي أن يجعل البُحور تنبثق من بحر واحد، ودائرة واحدةٍ بدلاً من تعدُّد أصولها ودوائرها[3].
حيث افترض أنّ بحر الوافر أصل تفرّعت عنه جميع البحور لكن اعتبره ثماني الوحدة الإيقاعيَّة، بوحدة إيقاعيَّة أحاديّة. على عكس ما اعتبره الخليل ثنائيّ الوحدة الإيقاعيَّة بوحدة إيقاعيَّة ثلاثيّة (في الاستعمال).
ومن المُحدثين من حاول أن يتجاوز ترديد ما وُجد في كتب العروض عن دوائر العروض الخمس، ويختصرها في دائرة واحدة لكنّه وجد نفسه مسبوقاً بالسكّاكي، في هذه الرّؤية.
وفي هذا الباب نسجّل محاولة عبد الصّاحب مختار الذي انطلق من العروض المقارن واستعرض أسس إيقاع الشّعر عند اليونان "المقاطع" ثمّ ذكر أنّ العرب القدامى اعتمدوا في دراسة الشّعر العربي المتحرّك والسّاكن، ولم يختلفوا إلا في الرّموز التي بها يمثّلونها، فاعتمد البعض الدّائرة، واعتمد البعض الدَّندّنة أو التّنتنة.
ولقد اختار عبد الصّاحب مختار المتحرّك والسّاكن لبناء نظريّته الرّامية إلى توحيد الدّوائر، لأنّ بداية الوزن الموسيقي في الشّعر لا بدّ أن يكون حركةً وسكوناً في أنغام متعاقبة على وجه الانسجام[4].
كما أنّ من سابقيه من قاس أوزان الشّعر العربيّ بحركات كونيّة كقطر الميزاب، ودقّ النّاقوس، والركض، هذه الأخيرة لا تخلو من حركة فسكون، إضافة إلى كون الدّندنة هي أفضل ما يُوزن به الشّعر، فلفظة (دَنْ دَنْ) تحمل معنى التّنغيم، وتحوي من النّقرات ما تساعد على العودة إلى أصل الألحان الرّباعي" [5].




[1] حركات مصطفى، قواعد الشعر،232
[2]  العروضي أبو الحسن، الجامع في العروض والقوافي،95
[3] الهيب أحمد فوزي، إيقاع الشعر العربي من الدائرة إلى الحرف، الطبعة الأولى، دار القلم العربي، دار الرفاعي، سوريا، 2004،51
[4] عبيد علي،  نظام الإيقاع في الشعر العربي،133
[5]  مختار عبد الصاحب، دائرة الوحدة،134

ليست هناك تعليقات