إذا فكرنا بدون لغة ، فنحن لا نفكر:
اللغة:
استقصاء بالوضع
يقول
هيبوليت : « إذا فكرنا بدون لغة ، فنحن لا نفكر » دافع عن الأطروحة .
طرح
المشكل : إذا كانت اللغة أداة للفكر ، بحيث يستحيل أن يتم التفكير بدون لغة ؛
فكيف يمكن إثبات صحة هذه الفكرة ؟
محاولة حل المشكل :
- عرض الموقف كفكرة
: أن الفكر لا يمكن أن
يكون له وجود دون لغة تعبر عنه ، إذ لا وجود لأفكار لا يمكن للغة أن تعبر عنا ،
حيث أن هناك – حسب أنصار الاتجاه الأحادي - تناسب بين الفكر واللغة ، ومعنى ذلك أن
عالم الأفكار يتناسب مع عالم الألفاظ ، أي أن معاني الأفكار تتطابق مع دلالة الألفاظ
، فالفكر واللغة وجهان لعملة واحدة غير قابلة للتجزئة فـ« الفكر لغة صامتة ،
واللغة فكر ناطق» .
-المسلمات و البرهنة: ما يثبت ذلك ، ما أكده علم نفس الطفل من أن الطفل يولد صفحة بيضاء
خاليا تماما من آية أفكار ، ويبدأ في اكتسابها بالموازاة مع تعلمه اللغة ، وعندما
يصل إلى مرحلة النضج العقلي فإنه يفكر باللغة التي يتقنها ، فالأفكار لا ترد إلى
الذهن مجردة ، بل مغلفة باللغة التي نعرفها فـ« مهما كانت الأفكار التي تجيء إلى
فكر الإنسان ، فإنها لا تستطيع أن تنشأ وتوجد إلا على مادة اللغة».
ومن جهة ثانية ، فإن الأفكار
تبقى عديمة المعنى إذا بقيت في ذهن صاحبها ولم تتجسد في الواقع ، ولا سبيل إلى ذلك
إلا بألفاظ اللغة التي تدرك إدراكا حسياً ، أي أن اللغة هي التي تخرج الفكر إلى
الوجود الفعلي ، ولولاها لبقي كامناً عدماً ، ولذلك قيل : « الكلمة لباس المعنى ،
ولولاها لبقي مجهولاً» .
وعلى هذا الأساس ،
فإن العلاقة بين الفكر واللغة بمثابة العلاقة بين الروح والجسد ، الأمر الذي جعل
الفيلسوف الانجليزي ( هاملتون ) يقول : « الألفاظ حصون المعاني» .
- تدعيم الأطروحة بحجج
: أن اللغة تقدم للفكر
القوالب التي تصاغ فيها المعاني
.
-اللغة وسيلة لإبراز
الفكر من حيز الكتمان إلى حيز التصريح
.
-اللغة عماد التفكير
وكشف الحقائق .
-اللغة تقدم للفكر
تعاريف جاهزة ، وتزود المفكر بصيغ وتعابير معروفة
-اللغة أداة لوصف الأشياء
حتى لا تتداخل مع غيرها .
- عرض منطق الخصوم
: يزعم معظم الفلاسفة
الحدسانيون والرمزيون من الأدباء والفنانين وكذا الصوفية ، انه لا يوجد تناسب بين
عالم الأفكار وعالم الألفاظ ، فالفكر أوسع من اللغة واسبق منها ، ويلزم عن ذلك أن
ما يملكه الفرد من أفكار ومعان يفوق بكثير ما يملكه من ألفاظ وكلمات ٍ ، مما يعني
انه يمكن أن توجد أفكار خارج إطار اللغة
.
ويؤكد ذلك ، أن الإنسان
كثيرا ما يدرك في ذهنه كما زاخرا من المعاني تتزاحم في ذهنه ، وفي المقابل لا يجد إلا
ألفاظا محدودة لا تكفي لبيان هذه المعاني
. كما قد يفهم أمرا من الأمور
ويكون عنه فكرة واضحة بذهنه وهو لم يتكلم بعد ، فإذا شرع في التعبير عما حصل في
ذهنه من أفكار عجز عن ذلك . كما ان الفكر فيض متصل من المعاني في تدفق مستمر لا
تسعه الألفاظ ، وهو نابض بالحياة والروح ، وهو " ديمومة " لا تعرف
الانقسام أو التجزئة ، أما ألفاظ اللغة فهي سلسلة من الأصوات منفصلة ، مجزأة
ومتقطعة ، ولا يمكن للمنفصل أن يعبر عن المتصل ، والنتيجة أن اللغة تجمد الفكر في
قوالب جامدة فاقدة للحيوية ، لذلك قيل : « الألفاظ قبور المعاني »
- نقد منطقهم
: إن أسبقية الفكر على
اللغة مجرد أسبقية منطقية لا زمنية ؛ فالإنسان يشعر أنه يفكر ويتكلم في آنٍ واحد .
والواقع يبين أن التفكير يستحيل أن يتم بدون لغة ؛ فكيف يمكن أن تمثل في الذهن
تصورات لا اسم لها ؟ وكيف تتمايز الأفكار فيما بينها لولا اندراجها في قوالب لغوية
؟
حل المشكل :وهذا يعني انه لا يمكن للفكر أن يتواجد دون لغة ، وان الرغبة في
التفكير بدون لغة – كما يقول هيجل – هي محاولة عديمة المعنى ، فاللغة هي التي تعطي
للفكر وجوده الأسمى والأصح ، مما يؤدي بنا إلى القول أن الأطروحة السابقة أطروحة
صحيحة .
ليست هناك تعليقات