التسمية

اللّسَانُ السّابِعissane7L

آخر المنشورات:

المحاضرة الثانية مقياس النحو الوظيفي للسنة الثالثة ليسانس لغة وأدب:


. نظـرية النحـو الوظيــفي:
أ‌.       مفهوم النحو والوظيفة:
سينصب اهتمامنا في هذا المبحث على عنصرين هما "النحو" و"الوظيفة"، وكلا المصطلحين حضي بقدر كبير من الاهتمام سواء في الفكر اللساني الغربي أو في الدرس اللغوي العربي.
مفهوم النحو:
من المفاهيم التي ينطبق عليها مصطلح النحو اعتبار النحو ذلك الفرع من فروع الدرس اللغوي الذي يختص بالصرف أو بالتركيب أو بجمعهما معا، ((مثال ذلك كتب النحو العربي نثرا كانت أم نظما، إلا أن النحو بهذا المعنى يحيل في النظريات اللسانية الحديثة على مستوى من مستويات التمثيل أو التحليل، ويكون مستوى التحليل هذا تارة محصورا في التركيب، وتارة جامعا بين الصرف والتركيب في النظريات التي لا تفصل بينهما))[1].
فإذا بدأنا بالنحو في الدرس اللغوي العربي فقد أورد ابن جني في الخصائص في باب القول على النحو أن النحو:
 ((انتحاء سمت كلام العرب في تصرفه من إعراب وغيره،كالتثنية، والجمع، والتحقير، والتكسير والإضافة، والنسب، والتركيب، وغير ذلك، ليلحق من ليس من أهل العربية بأهلها في الفصاحة، فينطق بها وإن لم يكن منهم، وإن شذّ بعضهم عنها رُدّ به إليها، وهو في الأصل مصدر شائع، أي نحوت نحوا،كقولك قصدت قصدا، ثم خص به انتحاء هذا القبيل من العلم)) [2].
وجاء في التعريفات للشريف الجرجاني: (( النحو هو علم بقوانين يعرف بها أحوال التراكيب العربية من الإعراب والبناء وغيرها، وقيل النحو علم يعرف به أحوال الكلم من حيث الإعلال، وقيل علم بأصول يعرف بها صحيح الكلام وفاسده))[3].
ولا يفوتنا هنا أن ننوه بأن النحو في الفكر اللغوي العربي خاضع لخصوصيات أهمها الأهداف التي جاء من أجلها والظروف التي نشأ فيها[4].
وهناك مفهوم آخر لمصطلح النحو هو النحو في مقابل اللسانيات إذ يقصد بالنحو في اللسانيات الغربية تلك الأطروحات التقليدية لدراسة اللغة مطلقا، وهذه الدراسة وُسمت واتسمت بشكلها المعياري البعيد عن الوجهة الموضوعية العلمية، لذلك فإن النحو لديهم لا يذكر إلا موصوفا بالمعيارية "النحو المعياري"، أو القواعد، لذلك نجد في محاضرات دي سوسير: (( إن علم اللغة الثابت أو وصف الحالة اللغوية هو القواعد بالمفهوم الدقيق الاعتيادي الذي تستخدم فيه هذه الكلمة في عبارات مثل "قواعد البورصة" وغيرها حيث نقصد بالقواعد شيئا نظاميا معقدا يتحكم بالعلاقات المتبادلة بين القيم الموجودة في آن واحد...فقد جرت العادة أن يطلق على الصرف والنحو بالقواعد))[5].
هذا ما جعل مفهوم النحو يتباين بين الدرس القديم والحديث، لذا يجدر بنا الاعتراف بأن المشتغلين بتاريخ الدرس اللغوي يميزون بين المرحلة القديمة مرحلة الدراسات النحوية، والمرحلة الحديثة مرحلة اللسانيات.
 ((من الممكن أن نرجع الفرق بين الفكر اللغوي القديم والفكر اللساني الحديث إلى أربعة محاط: ظروف الإنتاج، والموضوع، والهدف، والمنهج))[6].
((وأحدث استعمالات مصطلح النحو وأكثرها انتشارا الآن في الأدبيات اللسانية إطلاقه على الجهاز الواصف نفسه وقد يتوسع في ذلك فيطلق على نظرية لسانية بعينها))[7].
مفهوم الوظيفة:
إن وضعية المصطلح اللساني العربي لا تخل من التعقيد والسبب راجع إلى أن اللسانيات العربية تتقاسم مصطلحاتها بين تراث قديم أصيل وبين حداثة جديدة دخيلة، بل بلغ التشتت الاصطلاحي العربَ أنفسهم بدافع خصوصية المعرفة اللغوية، ومستلزمات الدقة العلمية لهذا العلم.
إن اضطراب المصطلح اللساني في البيئة العربية راجع إلى تعددية المناهج المتبعة في صوغ مصطلحاته التي تخضع لمنظور التعريب المتبع في هذا البلد العربي أو ذاك، ومن هنا  نجد من الباحثين العرب من يصوغ المصطلح اللساني عن طريق الترجمة المباشرة، أو ترجمة المعنى، وهناك من ينقل اللفظ الأجنبي محاولا إخضاعه لقواعد التصريف ومخارج الحروف لتسهيل النطق به، ويضع آخرون المصطلح باعتماد الاشتقاق أو التوليد أو النحت، بينما يرجع آخرون للتراث العربي قصد إحياء ما فيه من مصطلحات، وقد أدى هذا التعدد في  وضع المصطلح إلى تنوع المصطلحات اللسانية العربية.
أما ما نحن بصدد دراسته في هذا البحث فهو منقول بترجمة مباشرة عن المصطلح الأجنبي "fonctionnel "fonctionnalisme"
وظيفة = function
وظيفي = functional
مقاربة وظيفية = functional approach
لسانيات وظيفية =  functional linguistics

التعريف اللغوي للوظيفة:
جاء في لسان العرب في مادة ( و ظ ف):
*                  الوظيفة من كل شيء ما يقدر له في كل يوم من رزق أو طعام، أو علف أو شراب، وجمعها الوظائف والوظُف.
*                  ووظف الشيء على نفسه ووظفه توظيفا: ألزمها إياه، وقد وظفت له توظيفا على الصبي كل يوم حفظ آيات من كتاب الله عز وجل.
*                  والوظيف لكل ذي أربع: ما فوق الرسغ إلى مفصل الساق،
*                  ووظيفا يدي الفرس ما تحت ركبتيه إلى جنبيه،
*                  ووظيفا رجليه ما بين كعبيه إلى جنبيه[8].
          نستمد من هذا الكلام معنيين اثنين للوظيفة:
-                  الأول: الالتزام بتحديد مقدار معين قد يكون عينيا كالطعام والشراب، وقد يكون معنويا كالحفظ، لكنه لا يخرج عن لزوم هذا المقدار كعادة يومية متكررة.
-                  والثاني: ارتباط معنى الوظيف بمنطقة محددة من أطراف ذوات الأربع.
التعريف الاصطلاحي للوظيفة:
أما المعنى الاصطلاحي للوظيفة في الدراسات اللغوية فقد ظهر مع استقرار التوجه اللساني للبحث في وظائف اللغة البشرية، وكان"دي سوسير"  أول من قال بأن الوظيفة الأساسية للغة هي التواصل.
((حين يرد مصطلح الوظيفة دالا على علاقة فالمقصود العلاقة القائمة بين مكونين أو مكونات في المركب الاسمي أو الجملة)).[9]
وفي النحو الوظيفي يستخدم مصطلح الوظيفة للدلالة على كل العلاقات التي يمكن أن تقوم داخل الجملة، أو داخل المركب ((مثال ذلك أن النحو الوظيفي يميز بين ثلاث مستويات من الوظائف:
§                   وظائف دلالية [ منفذ، متقبل، مستقبل، زمان، أداة،...].
§                   ووظائف تركيبية [ فاعل، مفعول] .
§                   ووظائف تداولية [محور، بؤرة، ....].
وتنتمي إلى هذه المستويات الوظيفية الثلاثة العلاقات القائمة داخل الجملة))[10]، والأنحاء الوظيفية هي التي تنظر إلى اللغات الطبيعية على أنها بالإضافة إلى كونها بنية أو نسقا شكليا تعتبر أداة لوظيفة أساسية هي التواصل فاللسانيات الوظيفية تقوم على تحليل البنية اللغوية بإعطاء أهمية للوظيفة التواصلية لعناصر هذه البنية بالإضافة إلى علاقتها البنيوية[11].
لقد واكب استعمال مصطلح الوظيفة مفاهيم مختلفة، ويمكن إرجاع هذه المفاهيم إلى مفهومين اثنين، الوظيفة كعلاقة، والوظيفة كدور.
-   الوظيفة العلاقة: المقصود بها العلاقة القائمة بين مكونين أو مكونات في المركب الاسمي أو الجملة، وهذا المصطلح بهذا المعنى متداول بين جل الأنحاء مع اختلاف من نحو إلى آخر، وتكون الوظائف علاقات مشتقة حين يتم تحديدها على أساس موقع المكوّنات داخل بنية تركيبية معينة.
- الوظيفة الدور: يقصد بها الغرض الذي تسخر الكائنات البشرية اللغات الطبيعية من أجل تحقيقه[12].
إذن فمفهومي الوظيفة كعلاقة والوظيفة كدور متباينان، حيث أن العلاقة هي رابط بنيوي قائم بين مكونات الجملة أو مكونات المركب، في حين أن الدور يخص اللغة بوصفها نسقا كاملا، إلا أن هذا التباين لا يلغي ترابطهما من حيث أن وظيفة اللغة تحقيق التواصل بين مستعمليها تضاف إليها الوظائف التركيبية والدلالية وظائف أخرى، كما يغلب أن تتخذ الوظائف وضع وظائف أولى غير مشتقة[13]..
ب‌.   الخلفية الفلسفية للتوجه الوظيفي:
تنطوي البنية على ما يكفي من المكونات المجالية والتابعية والعلاقية بالنسبة للنسق الذي تؤوله، فإذا كان هذا النسق يحتوي على حروف تابعية وحروف علاقية لزم البنية أن تحتوي على الأقل على تابع واحد وعلاقة واحدة إن لم يكن على أكثر من ذلك[14].
وأما الوظيفة فهي من الأطروحات الكبرى في حقلَي فلسفة اللغة، واللسانيات الحديثة ، إذ (( يمكن للمشتغل بابستيمولوجيا الفكر اللساني وبتاريخ هذا الفكر واتجاهاته أن يميز بين تيارين أساسيين اثنين:
§  تيار صوري يقف في مقاربته للغات الطبيعية عند بنيتها لا يكاد يتعداها.
§ وتيار وظيفي يحاول وصف بنية اللغات الطبيعية بربطها بما تؤديه هذه اللغات من وظائف داخل المجتمعات البشرية))[15].
من هنا رأينا أن نبحث في الأصول الفلسفية للوظيفية، فأوليات النظرية الأداتية[16] أو الوظيفية للغة ترجع إلى الفلسفة، وبالضبط إلى فلسفة اللغة حيث تعد هذه النظرية بمثابة بديل معرفي عن البنوية التي لا تتجاوز الوصف، وكذا التوليدية التحويلية التي تسعى إلى بناء نحو كلي يمكنه أن يحتوي الأنحاء الخاصة للغات المختلفة، لكن النظرية الأداتية أو الوظيفية ترى أن اللغة تلعب دورا أساسيا في ظهور المعرفة الموضوعية، إذ ((هي التي تميز الإنسان عن الحيوان، لا لأن لحيوان لا يملك لغة، فهناك لغة الحيوانات كلغة النحل على سبيل المثال، لكن لأن لغة الإنسان تملك وظائف تتجاوز وظائف لغة الحيوان))[17].




[1])  المتوكل أحمد، المنحى الوظيفي في الفكر اللغوي العربي – الأصول والامتداد-، دار الأمان، الرباط، الطبعة الأولى، 2006، ص 38.
[2]) ابن جني أبو الفتح عثمان، الخصائص، تحقيق: محمد علي النجار، دار الكتب المصرية، دون ط، ج01، ص 34.
[3]) الجرجاني علي بن محمد الشريف، كتاب التعريفات، مكتبة لبنان، طبعة جديدة، بيروت، 1985،
ص 259/260.
[4]) انظر: ربط النحو العربي بالمناهج الحديثة، الفصل الأول من هذا البحث.
[5]) فردينان دي سوسير، علم اللغة العام، ترجمة: يوئيل يوسف عزيز، دار آفاق عربية، بغداد، الطبعة الثالثة، 1985، ص 154.
[6])  المتوكل أحمد، المنحى الوظيفي في الفكر اللغوي العربي – الأصول والامتداد-، دار الأمان، الرباط، الطبعة الأولى، 2006، ص 36/37.
[7])  المرجع السابق، ص 39.
[8] ) ابن منظور أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم، لسان العرب، دار صادر، بيروت، المجلد التاسع، الطبعة الثانية، مادة (و ظ ف)، ص 358.
[9])  المتوكل أحمد، المنحى الوظيفي في الفكر اللغوي العربي – الأصول والامتداد-، دار الأمان، الرباط، الطبعة الأولى، 2006، ص 21.
[10]) المتوكل أحمد، التركيبات الوظيفية قضايا ومقاربات، مكتبة دار الأمان، الرباط، الطبعة الأولى، 2005، ص 22.
[11] ) رمضان النجار نادية، الاتجاه التداولي والوسيط في الدرس اللغوي،مؤسسة حورس الدولية للنشر والتوزيع، القاهرة، الطبعة الأولى، 2013، ص 207.
[12] ( المتوكل أحمد، التركيبات الوظيفية قضايا ومقاربات، مكتبة دار الأمان، الرباط، الطبعة الأولى، 2005، ص 23
[13] ) المرجع السابق، ص 23 .
[14] ) عبد الرحمان طه، اللسان والميزان أو التكوثر العقلي، المركز الثقافي العربين الدار البيضاء، الطبعة الأولى، 1998، ص 199.
[15])  المتوكل أحمد، المنحى الوظيفي في الفكر اللغوي العربي – الأصول والامتداد-، دار الأمان، الرباط، الطبعة الأولى، 2006، ص 19.
[16]) صاحب هذه النظرية هو كارل بوبر صاحب كتاب منطق الكشف العلمي 1934.
[17]) الزواوي بغورة، الفلسفة واللغة - نقد المنعطف اللغوي في الفلسفة المعاصرة-، دار الطليعة، بيروت، الطبعة الأولى، 2005، ص 99.
[18]) كارل بوهلر من علماء النفس واللغة، ألماني الجنسية، تكلم عن وظائف اللغة في اللغات الغربية .
[19]) الزواوي بغورة، الفلسفة واللغة - نقد المنعطف اللغوي في الفلسفة المعاصرة-، دار الطليعة، بيروت، الطبعة الأولى، 2005، ص 99/100.
[20]) كارل ريموند كارل بوبر: (1902-1994)، فيلسوف نمساوي إنجليزي متخصص في فلسفة العلوم.
[21]) الزواوي بغورة، الفلسفة واللغة - نقد المنعطف اللغوي في الفلسفة المعاصرة-، دار الطليعة، بيروت، الطبعة الأولى، 2005، ص 100.

ليست هناك تعليقات