التسمية

اللّسَانُ السّابِعissane7L

آخر المنشورات:

إزراء بالمعرفة اللسانية الحديثة (د. مسعود صحراوي) :

 

للدكتور مسعود صحراوي:

لمسنا عند بعض الجامعيين- وسمعنا من بعضهم-كما قرأنا في بعض تعليقات هذا الفضاء- إزراءً بالمعرفة اللسانية الحديثة التي دخلت بلدانَنا العربيةَ جملة كتبُها ومنشوراتها وأسسها المعرفية ومضامينها من بلاد الغرب؛ وسمعنا كلاما يستهين بها ويُعبّر عن رفض عام لجملة مقولاتها ومفاهيمها ونظرياتها ومناهجها...

غيرَ أن الملاحظ -فيما سمعنا منه وقرأنا- أنه رفضٌ سطحي ساذجٌ لا يُبرَّر علميا في الأعم الأغلب، وكثيرا ما يأتي في سياق موقف فكري خاطئ، أو ملتبس غير واضح، بل قد تطبعه أحيانا نفسيةٌ متشنجة معْرِضةٌ عن الانتفاع بما عند الآخر، وموقفٌ متسرعٌ سطحيّ يُعوزه الاطلاعُ المعرفيُّ بلهَ النقد العلمي والدراسة الهادئة المتزنة من أهل التخصص، وقد يأتي في سياق رفض عام للحداثة الغربية وما أتت به جملة وتفصيلا... بلا سند فكري قوي ولا دليل علمي راجح.

ومنهم من يوهم الناسَ إيهاما باطلا: أن كلَّ ما جادت عبقرية الحضارة الغربية من إنجازات علمية من قبيل: لسانيات سوسير كلها وما يتبعها ويدور في فلكها، ولسانيات تشومسكي جميعها وما تفرع عنها، وتداولية فلاسفة اللغة وعلمائها (مثل أوستين وسيرل وغرايس...الخ) ... إما أنها موجودة في تراثنا بحذافيرها فلم يزد المعاصرون شيئا على ما جادت به عبقرية أسلافنا... وإما أنها ترفٌ فكري فيصح اعتبارها "علما لا ينفع وجهالة لا تضر"، بل قد يذهب بعضهم إلى أنها مناقضةٌ لما جاء به السلف ولا تلائم اللغة العربية -هكذا بالتعميم والإطلاق ودون التحفظ العلمي الذي يستدعيه استصحاب الكليات العلمية المنهجية والإبستيمية- وأنها من ثَمَّ -قد تصد عن فهم الكتاب الكريم وعن العربية وعن التراث! وأن ما في تراثنا يغني عنها كلها جملة وتفصيلا... وكأن أعلام تراثنا كانوا معرضين عن ثقافات أهل عصرهم زاهدين في المعرفة الكونية المتاحة المعاصرة لهم متجاهلين لما عند الآخر!

وكل تلك الاعتبارات محصلةُ رأي مدخول ينم عن جهل واختلال ظاهر في البنية النفسية-المعرفية، وربما صدرت من قوم ألقوا مقادتهم إلى الخيالات والأوهام... وإذا ما صدر عن طالب علم منتسب إلى علم اللغة فهو يعبر عن ضعف وعجز وخلل في التصور، وأما إذا صدر عمن لا علاقة له بهذه العلوم فهو تجرؤ على العلم وافتئات على أهله.

وكان على أصحاب تلك التصريحات والمواقف أن يدَعوا هذا الطريق الملتوي المنقطع المريب إلى اللاحب البيّن المأموم، ويسلكوه على هدى وبصيرة منهجية...التي تقتضي- فيما تقتضيه- أن نعرف أنفسنا وحدودها ونحترم عقول الآخرين، والتي توصي بعدم الإدلاء برأي في علم دقيق نجهله فلا نفتي فيه حتى نُلمّ بقضاياه العلمية صغرياتها وكبرياتها...وأن نستمسك بالوصية القرآنية الذهبية [ولا تقفُ ما ليس لك به علمٌ]

والحداثةُ المعاصرةُ في علوم اللسان لا يصح أن يُحكم عليها حكما مطلقا عاما بالبطلان والخطإ... فليست حقا كلها ولا باطلا كلها... ومن يدرسها ويتعمّقها على علم وبصيرة متسلحا بالأدوات والشروط الضرورية هو من يميز حقَّها من باطلها وجيّدَها من رديئها، وخطأَها من صوابها، ويميز محلياتها الخاصة من عالمياتها العامة...الخ،

والإنكارُ التام العام لما جاءت العلوم الغربية كلُّها تجنّ على العلم وعلى الحقيقة ومجانبٌ للصواب ومجاف للحكمة التي أُمِرنا بالبحث عنها واتباعها فنحن أحق الناس بها... فلا يصح أن نقف منها موقف الاستهانة أو الرفض فضلا عن موقف العداء، فيصح فينا عندئذ قولُ القائل: الناس أعداءُ ما جهلوا.


الرابط الأصلي:

https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=354347812461598&id=100036591455749

 

ليست هناك تعليقات