السلسلة الأولى لتطبيقات مقياس الأسلوبية وتحليل الخطاب "ثانية لسانس" للموسم 2023/2022:
المستوى: ثانية
ليسانس نقدية/ أدبية السداسي:
03. المقياس:
الأسلوبية وتحليل الخطاب . د. جلول تهامي.
السلسلة
الأولى لتطبيقات مقياس الأسلوبية وتحليل الخطاب "ثانية لسانس" للموسم 2023/2022:
توطئة:
عرف النقد المعاصر، في مسيرته المعرفيّة _ بجانبيها النظريّ والتطبيقيّ _ مراحل أساسيّة
يمكن اختصارها في:
ü
مرحلة المرجع مع التيّار الواقعي[1]: والواقعية تعني المعرفة
العقلانية للحياة، أو هي طموح العقل الإنساني وتطلعه لاكتشاف حقيقة الحياة ومعرفة
خفايا العالم، وإدراك قوانين تطور المجتمعات واتجاهاتها والآلية التي يعيشها المجتمع
الإنساني.
ü
مرحلة التماثل مع البنويّة التكوينية[2]: تبحث البنيوية التكوينية في أربع بنيات للنص هي: البنية الداخلية للنص؛البنية الثقافية ؛ البنية الاجتماعية؛البنية التاريخية. وهذه البنيات
متكاملة ومتفاعلة فيما بينها. فإذا كانت القراءة الداخلية للنص تقدم لنا خطوة نحو
فهم القوانين المتحكمة في البنية الداخلية، فإن هذا الفهم بحاجة إلى تفسير. وهذا
ما ينبغي التماسه في البنية الثقافية. غير أن هذا التفسير يظل مجرداً إذا لم يتحول
إلى فهم، فيصبح بدوره بحاجة إلى تفسير، مما يستدعي مقاربة البنية الثالثة والرابعة.
ü
مرحلة البنية مع التيّار البنيويّ اللسانيّ[3]
والشكلانيّة الروسيّة[4]: مصطلح البنية لم يظهر في لسانيات (دي سوسير)، بل ثمة
مفاهيم أخرى أخذت معنى البنية كما هو الشأن بالنسبة لمفهوم النسق، مما يوحي إلى أن
الاتجاه البنيوي لم يبدأ من حيث المفهوم، بقدر ما برز في محاضراته باعتباره منهجًا
جديدًا في التعامل مع الظاهرة اللغوية، لكن لا يمكن الحديث عن البنوية في الدراسات
اللسانية في معزل عن باقي العلوم الأخرى، وفي معزل عن السياق الذي ظهرت فيه
العوامل التي أنتجت هذا النوع من المنهجية.
ü
مرحلة العلامة مع التيّار السيميوطيقي[5]: السيميوطيقا -
عبارة عن لعبة التفكيك والتركيب، وتحديد البنيات العميقة الثاوية وراء البنيات
السطحية المتجلية صوتيا، وصرفيا، ودلاليا، وتركيبيا. ومن ثم، تستكنه السيميوطيقا
مولدات النصوص وتكوناتها البنوية الداخلية، وتبحث عن أسباب التعدد ولانهائية
الخطابات والنصوص والأعمال السردية، وتسعى إلى اكتشاف البنيات العميقة الثابتة،
وترصد الأسس الجوهرية المنطقية التي تكون وراء سبب اختلاف النصوص والجمل
والملفوظات والخطابات. ومن ثم، فالسيميوطيقا لا يهمها ما يقول النص، ولا من قاله،
بل ما يهمها هو "كيف قال النص ما قال"، بمعنى أن السيميوطيقا لايهمها
المضمون ولا حياة المبدع ولا سيرته، بقدر ما يهمها شكل المضمون. ومن
هنا، فالسيميوطيقا دراسة شكلانية للمضمون، تستنطق الشكل إن تفكيكا وإن بناء ، وإن
تحليلا وإن تأويلا، لمساءلة الدوال من أجل تحقيق معرفة دقيقة بالمعنى سطحا وعمقا.
ü
مرحلة التفكيك مع التيّار التفكيكيّ: الفرنسي"جاك دريدا"[6]
رائد المنهج التفكيكي في كتابه "علم الكتابة"، وحسب هذا المذهب لا يمكن
الوصولُ بشكلٍ من الأشكال إلى فهمٍ واستيعابٍ كاملٍ أو متماسكٍ للنص الأدبي مهما
كان هذا النصُّ، فالقراءةُ وتفسير النصوص الأدبية بشكلٍ عامّ هي عملية ذاتية يقومُ
بها القارئُ وكلُّ قارئٍ يمكن أن يفسِّرَ النصَّ حسب رؤيته وحسبَ مشاعره وظروفه المحيطة
وتجربته التي تؤثر جميعُها في قراءته لهذا النصِّ، وبناءً على هذا الرأي فإنَّه من
المستحيل أن يوجدَ نصٌّ ثابتٌ متكاملٌ متماسكٌ بذاته.
ü
مرحلة التأويل مع التيّار الهرمينوطيقيّ: الهرمينوطيقا[7]
"فن تأويل النصوص".
ü
مرحلة الأسلوب مع الأسلوبيّة والبلاغة الجديدة: ولم تظهر الأسلوبيّة إلا في أواخر القرن التاسع
عشر وبداية القرن العشرين لوصف الأسلوب في مختلف تجلّياته الصوتيّة، والإيقاعيّة،
والصرفيّة، والتركيبيّة، والدلاليّة، والبلاغيّة، والتداوليّة؛ مع تبيان مكوّناته
الثابتة، واستكشاف سماته النوعيّة، واستجلاء فنّيّاته وجماليّاته المتعدّدة
والمتنوعة. وذلك كلّه في علاقته بالمتلقّي، أو المستقبِل من جهة، ومراعاة
المقصديّة من جهة ثانية. ومن باب العلم، فقد قامت الأسلوبيّة على أنقاض البلاغة
التقليديّة المعياريّة والتعليميّة التي بقيت – فترة طويلة – حبيسة الصور
البيانيّة، والمحسّنات البديعيّة.
الأسلوب:
ü الأُسْلُوبُ : هوالطَّرِيق، والأُسْلُوبُ: الصَّفُّ من النخيلِ ونحوه، والجمع أساليب، ويأتي بمعنى: طريقة، ومذهب، ونمط.
ü أسلوب العصر:السِّمة
الغالبة على العصر وتستخلص من كلّ مقدِّماته في الدِّين والفنّ والفلسفة والعلوم.
ü أُسْلُوب مُبْتَذَل: كَثِيرُ الاسْتِعْمَالِ، مَأْلُوفٌ،
مُتَدَاوَلٌ، فِكْرَةٌ مُبْتَذَلَةٌ.
ü أسلوب خطابيّ:أسلوب يستهدف العاطفة
أكثر من العقل ''ازدهر النَّثر الخَطابيّ في القرن الأوّل للهجرة''.
ü الأسلوب العلْميّ :الأسلوب الواضح المنطقيّ البعيد عن الخيال، وذلك كالأساليب التي تُكتب بها الكتبُ العلميّة.
ü أسلوب : نهج خاص في الكتابة والتعبير عن الأفكار : كقولنا أسلوب المنفلوطي، أو أسلوب العقاد.
ü أسلوب : نهج خاص في الفن والعمارة والحياة.
ü أسلوب التهكم: كلام يُعبَّر فيه بعبارة يُقصد منها ضدّ معناها
للتهكُّم، كأن بلفظ البشارة في موضع الإنذار، والوعد في مكان الوعيد، والمدح في
معرض الاستهزاء.
﴿إِنَّ شَجَرَتَ ٱلزَّقُّومِ٤٣ طَعَامُ ٱلۡأَثِيمِ٤٤ كَٱلۡمُهۡلِ يَغۡلِي
فِي ٱلۡبُطُونِ٤٥ كَغَلۡيِ ٱلۡحَمِيمِ٤٦ خُذُوهُ فَٱعۡتِلُوهُ إِلَىٰ سَوَآءِ ٱلۡجَحِيمِ٤٧
ثُمَّ صُبُّواْ فَوۡقَ رَأۡسِهِۦ مِنۡ عَذَابِ ٱلۡحَمِيمِ٤٨ ذُقۡ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِيزُ
ٱلۡكَرِيمُ٤٩﴾ [الدخان: 43-49].
ü ذكر ابن قتيبة مصطلح الأسلوب في قوله :"إنما يَعرف فضل القرآن مَن كَثر نظره
واتسع علمه وفهم مذاهب العرب وافتنانها في الأساليب ".
ü كما ذكره الخطابي[8] في
معرض حديثه عن إعجاز القرآن: "...وهنا نوع من الموازنة وهو أن يجري أحد
الشاعرين في أسلوب من أساليب الكلام وواد من أوديته"
ü ويقول الباقلاني[9]
في حديثه عن الإعجاز أيضا :"وقد بينا _في الجملة_ مباينة أسلوب نظم القرآن
جميع الأساليب ومزيته عليها في النظم والترتيب [10]"
ü عبد القاهر الجرجاني قال عن الأسلوب:
هو" الضرب من النظم والطريق فيه " كما تعرض له حازم القرطاجني وابن خلدون وهذا كله مما
يؤكد وجود أصل هذا المصطلح قديما
ü أما عن الأسلوب عند
الأوروبيين قديما فقد كان من عهد أرسطو ومن بعده وكانت تستخدم أصلا للقلم والريشة ثم استخدمت لفن النحت والعمارة
ثم دخلت في مجال الدراسات الأدبية، حيث صارت تعني أي طريق خاص لاستعمال اللغة بحيث
تكون هذه الطريقة صفة مميزة للكاتب أو الخطيب.
ü أما عن الأسلوب في العصر الحديث فإنه
يعرّف بعدة تعريفات نظرا لتعدد الاعتبارات وهي على النحو الآتي:
- باعتبار المرسل أو المخاطِب: هو
التعبير الكاشف لنمط التفكير عند صاحبه ولذلك قالوا الأسلوب هو الرجل .
- باعتبار
المتلقي أو المخاطَب : هو سمات النص التي تترك أثرها على المتلقي أيا كان هذا
الأثر .
- باعتبار
الخطاب: هو مجموعة الظواهر اللغوية المختارة وما يتصل به من إيحاءات ودلالات .
ü أما عن الأسلوبية في العصر الحديث :
o
فهي كما يقول شارل بالي : علم يعنى بدراسة وقائع التعبير في اللغة المشحونة
بالعاطفة المعبرة عن الحساسية.
o
ويقول عبد السلام المسدي عن هذا المصطلح أنه مركب من جذر " أسلوب
" ولاحقته "ية" فالأسلوب ذو مدلول إنساني ذاتي واللاحقة تختص
بالبعد العلماني العقلي الموضوعي.
o
وعرفها جاكبسون : بأنها بحث عما يتميز به الكلام الفني عن بقية
مستويات الخطاب أولا، وعن سائر أصناف الفنون الإنسانية ثانيا .
ü وصفوة القول: الأسلوبية هي جملة الصيغ
اللغوية التي تعمل على إثراء القول وتكثيف الخطاب وما يتبع ذلك من بسطٍ لذات
المتكلم وبيان التأثير على السامع.
ü الفرق بين الأسلوب والأسلوبية (علم الأسلوب)
وهي كما يلي:
· الأسلوب وصف للكلام , أما الأسلوبية فإنها علم
له أسس وقواعد ومجال.
·
الأسلوب إنزال للقيمة التأثيرية منزلة خاصة في السياق، أما
الأسلوبية فهي الكشف عن هذه القيمة التأثيرية من ناحية جمالية ونفسية وعاطفية.
·
الأسلوب هو التعبير اللساني والأسلوبية دراسة التعبير اللساني
.
[1] _ الواقعية في الأدب تعني الموضوعية، وتصوير
الحياة بعيدًا عن عناصر الخيال والتشويق والمجاز، وبذلك تكون في الواقعية
موضوعية صارمة، تمنع تسرب أيّ عاطفة للكاتب، إنما تسلّط اهتمامها على حياة الشعوب
والمجتمعات كما هي وبنظرة موضوعية بعيدة عن الانطباعات الذاتية.
[2]_ البنيوية أو
البنائية هي نزعة مشتركة بين عدّة علوم كعلم النفس، وعلم السلالات لتحديد واقعة
بشرية بالنسبة إلى مجموع مُنظم، فهي نظرية قائمة على تحديد وظائف العناصر
الدّاخلية في تركيب اللغة، ومُبينة أن هذه الوظائف المحدّدة لمجموعة من الموازنات
والمقابلات هي مندرجة في منظومات واضحة، وليس للعناصر وجود مستقل إلا من خلال تحديد الوظائف العامة.
[3]_ لم
تعد المنهجية البنيوية تقتصر على المجال اللساني وحده. بل تُبَنْينُ كل
شيء، إذا جاز لنا أن نستعمل هذا التعبير، تُبَنْينُ المجتمع واللاشعور والثقافة
والأدب والفكر والسينما والمسرح والمطبخ واللباس والإعلانات الإشهارية، وكل مرافق
الحياة الاجتماعية والسياسية والفكرية والاقتصادية.
[4]_ طالبت
الشكلانية بمقاربة النص الأدبي على أنه بنية فنية مغلقة ومكتفية بذاتها، لا يرتبط
بوقائع خارجية، ولذلك كان تركيزُها في تحليلها للنص الأدبي مُنصبًا
على النص بوصفه نقطة البدء والمعاد، والنأي بالنقد عن العلوم الإنسانية التي سيطرت
على الخطاب الأدبي فترةً من الزمن، مركزة على ما هو خارج النص من تاريخ وعلم نفس
وعلم اجتماع وغير ذلك، ومع أنّ الشكلانية
تجاهلت العوامل الخارجية في دراسة الأدب، ولكنْ هذا لا يعني عدم اعترافها بقيمتها،
إنّما يعني تحديدها لمجال اتجاهها النقدي في قراءاتها للنصوص الأدبية.
[5]_ يعد المنهج
السيميولوجي من أهم المناهج النقدية المعاصرة التي وُظفت لمقاربة جميع الخطابات
النصية، ورصد كل الأنشطة البشرية بالتجزئة والتركيب، والتحليل والتأويل، بُغية البحث عن
آليات إنتاج المعنى، وكيفية إفراز الدلالة عبر مساءلة أشكال المضامين، مع سبر
أغوار البنيات العميقة دلالة ومنطقا، من أجل فهم تعدد البني النصية، وتفسيرها على
مستوى البنية السطحية تركيبا وخطابا. ومن ثم، يهدف المنهج السيميولوجي إلى استكشاف
البنيات الدلالية التي تتضمنها الخطابات والأنشطة البشرية بنيةً ودلالة ومقصدية،
والبحث عن الأنظمة التواصلية تقعيدا وتجريدا ووظيفة.
[6]_ فيلسوف فرنسيٌّ ولدَ في 1930، عيِّنَ أستاذًا للفلسفة في جامعة السوربون،
وتابعَ مسيرته من هناك إلى أن توفِّيَ في
2004، هو رائد المنهج التفكيكيِّ وصاحب نظرية التفكيك في العصر الحديث، وقد طالت
نظريَّاته العديد من العلوم كالعلوم الاجتماعية وعلم الجمال وعلم الأخلاق والفنون،
ومن أقواله الشهيرة: "ما لا يُمكنُ قولُه، لا يَنبغي السُّكوتُ عنهُ، ويكفِي
أنْ يكتبَ".
[7]_ مصطلح الهرمينوطيقا مصطلح قديم بدأ استخدامه في دوائر الدراسات اللاهوتية،
ليشير إلى مجموعة القواعد والمعايير التى يجب أن يتبعها المفسر لفهم النص الديني
"الكتاب المقدس". ويعود قدم المصطلح للدلالة على هذا المعنى إلى عام
1654م، ومازال مستمرًا حتى اليوم خاصة في الأوساط البروتستانتية.
[8]_ الإمام
العلامة ، الحافظ اللغوي ، أبو سليمان ، حمد بن محمد بن إبراهيم بن
خطاب البستي الخطابي ، صاحب التصانيف .
[9]
_أبو بكر محمد بن
الطيب بن محمد الباقلاّني (و.949 _
ت.1012)
البصري ثم البغدادي. الإمام العلاّمة في علم الكلام
والفقه وأصوله.
[10]
الذي يظهر من سياق كلامهما أنهما لا يستخدمان مصطلح
الأسلوب بالمعنى المستخدم الآن وإنما بمعنى الطريقة الخاصة في النظم والسمة
المميزة لكلام عن كلام آخر وهذا يفيدنا أن أصل اللفظ وشيء من المعنى كان موجودا
عند علمائنا الأوائل قديما .
ليست هناك تعليقات