التسمية

اللّسَانُ السّابِعissane7L

آخر المنشورات:

السلسلة الثانية لتطبيقات مقياس الأسلوبية وتحليل الخطاب "ثانية لسانس" للموسم 2021/2022:

 

المستوى: ثانية ليسانس        السداسي: 03.           المقياس: الأسلوبية وتحليل الخطاب .           د. جلول تهامي.

السلسلة الثانية لتطبيقات مقياس الأسلوبية وتحليل الخطاب  "ثانية لسانس"  للموسم 2021/2022:

إنّ مجال دراسة الأسلوب بوصفه ظاهرة لغوية فنية تسعى إلى الوقوف على نسبية اختلافها من كاتب لآخر، وبصورة عامة البحث الأسلوبيّ إنّما يُعنى بتلك الملامح أو السِّمات المتميزة في تكوينات العمل الأدبي وبواسطتها يكتسب تميزه الفردي أو قيَمه الفنية بصفته إنتاجاً إبداعياً لفرد بعينه، أو ما يتجاوزه إلى تحديد سمات معينة لجنس أدبيّ بعينه .
وتكمن أهمية الأسلوبية في بحثها عن الأسس الموضوعية لعلم الأسلوب، وتمثل طريقة في تحليل شكل النصّ مع الاعتماد على علوم أخرى والإفادة من معطياتها كعلم اللغة – اللسانيات.

1-     الأسلوبية التعبيرية :

ويقصد بها طاقة الكلام الذي يحمل عواطف المتكلم وأحاسيسه حيث أن المتكلم يحاول أن يشحن كلماته بكم كبير من الدلالات التي يظهر أثرها على المتلقي وهي ظاهرة تكثيف الدوال خدمة للمدلولات كما يسميها البعض، ويعد الفرنسي شارل بالي[1] رائدا لهذا الاتجاه.

ناقش شارل بالي أفكاره حول الأسلوبية التي يرتكز حقلها أساسا على ثنائية تكاملية هي من مواضعات التفكير اللساني "اللغة والعبارة Langue/Parole..." وإذ يرغب (بالي) عن هذا التقسيم يصنف الواقع اللغوي تصنيفا آخر فيرى الخطاب نوعين:

·       ما هو حامل لذاته غير مشحون البتة.

·       و ما هو حامل للعواطف و الخلجات و كل الانفعالات..".

و قد قام (بالي) بالتعريف بمجال بحث أسلوبيته، فقال: "تدرس الأسلوبية وقائع التعبير اللغوي من ناحية محتواها العاطفي، أي التعبير عن واقع الحساسية الشعورية من خلال اللغة، و واقع اللغة عبر هذه الحساسية؛ فهي تدرس علاقة اللغة بالعاطفة و علاقة العاطفة باللغة؛ ذلك أن معدن الأسلوبية هو"ما يقوم في اللغة من وسائل تعبيرية تبرز المفارقات العاطفية و الإرادية و الجمالية بل حتى الاجتماعية والنفسية، فهي إذن تنكشف أولا و بالذات في اللغة الشائعة التلقائية قبل أن تبرز في الأثر الفني، غير أن أحد تلامذته و هو (كراسو) قام بتحويل "مفهوم (التعبيرية) إلى (الحدث الفني) أي مفهوم (الجمالية)" ، فصار الأدب بذلك -أو الخطاب الأدبي- مجالا خصبا للأسلوبية.

 في النقد العربي كان لأعمال بالي صدى كبيرا فقد ترجمت أعماله على يد الكثير من الباحثين العرب منهم " شكري عياد "  ففي كتابه "اتجاهات البحث الأسلوبي" ترجمة لفصل من كتاب "شارل بالي" من كتابه "اللغة والحياة" وكذا "صلاح فضل" و"حمادي صمود"، كلهم حاولوا الكشف عن آراء "بالي" في الأسلوبية مترجمين أقواله ومقولاته عنها.

 مثال تطبيقي:

مَرَرْنا عَلــى دارِ الحبيب فرَدَّنا

 عَنِ الدارِ قانونُ الأعادي وسورُها

فَقُلْتُ لنفســي رُبما هِيَ نِعْمَةٌ فماذا تَرَى في القدسِ حينَ تَزُورُها

تَرَى كُلَّ ما لا تستطيعُ احتِمالَهُ إذا ما بَدَتْ من جَانِبِ الدَّرْبِ دورُها

وما كلُّ نفسٍ حينَ تَلْقَى حَبِيبَها

 تُـسَرُّ ولا كُلُّ الغـِيابِ يُضِيرُها

فإن سـرَّها قبلَ الفِراقِ لِقاؤُه فليسَ بمأمـونٍ عليها سـرُورُها

متى تُبْصِرِ القدسَ العتيقةَ مَرَّةً فسوفَ تراها العَيْنُ حَيْثُ تُدِيرُها.

عَفَتِ الدِيارُ مَحَلُّها فَمُقامُها*********بِمَنىً تَأَبَّدَ غَولُها فَرِجامُها

فَمَدافِعُ الرَيّانِ عُرِّيَ رَسمُها***خَلَقاً كَما ضَمِنَ الوُحِيَّ سِلامُها

وَالعَينُ ساكِنَةٌ عَلى أَطلائِها******عوذاً تَأَجَّلُ بِالفَضاءِ بِهامُها

وَجَلا السُيولُ عَنِ الطُلولِ كَأَنَّها*****زُبُرٌ تُجِدُّ مُتونَها أَقلامُها

2-     الأسلوبية البنائية :

وهي امتداد لآراء سوسير في التفريق بين "اللغة" و"الكلام"[2]، كما تعد امتدادا لمذهب "بالي" في الأسلوبية التعبيرية الوصفية، فقد طور البنائيون في بعض الجوانب وتجنبوا بعض جوانب النقص عند سابقيهم  حيث عايشوا الحركة الأدبية وهنا يكون التحليل الأسلوبي خاضعا لتفسير العمل الفني باعتباره كائنا عضويا شعوريا

ينطلق البحث الأسلوبي البنيوي في تحليله للأثار الأدبية من خلال البنى اللغوية المشكلة لها، فهي تؤسس منهجا غايته دراسة النصوص انطلاقا من لغتها وما تحدثه اللغة من تجاور مفرداتها وتراكيبها، لهذا فهي ترى أن المنابع الحقيقية للظاهرة الأسلوبية ليست فقط في اللغة وإنما أيضا في نمطيتها.

تركز الأسلوبية البنيوية على مدى تناسق أجزاء النص ورصد انسجامها،وتعتني بعلاقة التكامل والتناقض بين الوحدات اللغوية للنص وبالدلالات والإيحاءات،لهذا فهي تأخذ بعدا ألسنيا قائما على علوم المعاني،الصرف، التراكيب .

وقد وجد هذا الاتجاه أقلاما نقدية عربية حاولت أن تخوض في غمار البنيوية مترجمين وشارحين ومستكشفين ومن بينهم " فؤاد أبو منصور " النقد البنيوي الحديث " عبد السلام المسدي " محاولات الأسلوبية الهيكلية .

لَئِن هَجَرَتكَ بَعدَ الوَصلِ أَروى******فَلَم تَهجُركَ صافِيَةٌ عُقارُ

فَخُذها مِن بَناتِ الكَرمِ صِرفاً*********كَعَينِ الديكِ يَعلوها اِحمِرارُ

شَراباً إِن تُزاوِجهُ بِماءٍ**********تَوَلَّدَ مِنهُما دُرَرٌ كِبارُ

طَبيخُ الشَمسِ لَم تَطبُخهُ قِدرٌ********بِماءٍ لا وَلَم تَلذَعهُ نارُ

المعنى العام تهميش الحبيبة والانشغال بالخمر والأسلوبية البنوية تظهر من المعجم الخمري الطاغي على الأبيات: صافية، عقار، بنات الكرم، صرفاً، احمرار، شراباً، تزاوجه بماء، درر كبار، طبيخ الشمس، المخمور، باكرها، ثلاثاً، تطاير من مفاصله، الخمار، القدح، المدار.

3-     الأسلوبية الإحصائية :

وهذا الاتجاه يعنى بالكم وإحصاء الظواهر اللغوية في النص ويبني أحكامه بناء على نتائج هذا الإحصاء، ولكن هذا الاتجاه إذا تفرد فإنه لا يفي الجانب الأدبي حقه فإنه لا يستطيع وصف الطابع الخاص والتفرد في العمل الأدبي، وإنما يحسن هذا الاتجاه إذا كان مكملا للمناهج الأسلوبية الأخرى .

ويبقى أن المنهج الإحصائي أسهل طريق لمن يتحرى الدقة العلمية ويتحاشى الذاتية في النقد، فيجب أن يستخدم هذا المنهج كوسيلة للإثبات والاستدلال على موضوعية الناقد أي بعد أن نتعامل مع النص بالمناهج الأخرى التي تبرز جوانب التميز في النص.

وتعتمد هذه الأسلوبية على الإحصاء الرياضي للدخول إلى النصوص الأدبية، حيث يتم فيها إحصاء وإبراز معدلات التكرار في مختلف المراتب سواء أكانت إفرادية أو تركيبية أو إيقاعية، وهذه العملية ضرورية في الكشف عن القدرات الفردية للمبدع ومدى اختلافها عن قدرات مبدع آخر ومن أهم رواد هذا المذهب "جون كوهن".

وقد تجلت الأسلوبية الإحصائية بوضوح في النقد العربي المعاصر حيث برزت في الترجمة والشروح وكذا محاولات التطبيق على النصوص الأدبية ومن بين أهم روادها العرب صلاح فضل ومحمد العمري.

متى تفهم، متى يا سيدي تفهم؟
بأني لست واحدة، كغيري من صديقاتك
ولا فتحا نسائيا يضاف الى فتوحاتك، ولا رقما من الأرقام .. يعبر في سجلاتك.
متى تفهم؟ متى تفهم ؟
أيا جملا من الصحراء لم يلجم ..
ويا من يأكل الجدري منك الوجه والمعصم ..

متى تفهم ؟؟ متى تفهم ؟
بأنك لن تخدرني ..أو إماراتك..
ولن تتملك الدنيا، بنفطك وامتيازاتك
وبالبترول يعبق من عباءاتك
وبالعربات تطرحها على قدمي عشيقاتك
بلا عدد .. فأين ظهور ناقاتك؟؟
وأين الوشم فوق يديك ؟؟
أين ثقوب خيماتك؟
أيا متشقق القدمين يا عبد انفعالاتك متى تفهم؟

4-     الأسلوبية النفسية أو منهج الدائرة الفيلوجية :

يعتبر العمل الإبداعي المدخل الأساسي إلى عالم المبدع الداخلي وكذا نفسه المبدعة، وذلك من خلال المعجم الفردي والتراكيب الخاصة التي ترد في إنتاجه الأدبي، ومن رواد هذا الاتجاه "كيوسبيتزر" الذي يؤكد أن العمل الإبداعي ترجمة لذاتية ونفسية المبدع، فالأسلوبية النفسية تبحث في التحولات اللغوية وتتبعها بدقة على يد المبدع من أجل خصوصيته وتفرده، وكأن الأسلوبية النفسية أشبه بدراسة السير الذاتية للمبدعين والكتاب، وذلك باستنطاق لغة النص وما تحمله من دلالات نفسية معينة .

وقد تجلت الأسلوبية النفسية كباقي الاتجاهات الأسلوبية في النقد العربي المعاصر فراح الباحثون العرب يترجمون ويتأثرون بآراءها ومبادئها ومن بينهم : عبد الفتاح صبور، صلاح فضل ، حمادي صمود.

هذا المنهج يقوم بدراسة العمل الأدبي على ثلاث مراحل هي:

1.     الأولى: أن يقرأ الناقد النص مرة بعد مرة حتى يعثر على سمة معينة في الأسلوب تتكرر بصفة مستمرة .

2.     الثانية :يحاول الناقد أن يكتشف الخاصية السيكلوجية التي تفسر هذه السمة .

3.     الثالثة : يعود مرة أخرى إلى النص لينقب عن مظاهر أخرى لبعض الخصائص العقلية.

فهذه المراحل الثلاث تشكل في هيئتها الدوران حول النص مرة بعد مرة .

أَحينَ لَبِستَ بَعدَ العُريِ خَزّاً*********وَنادَمتَ الكِرامَ عَلى العُقارِ

تُفاخِرُ يا اِبنَ راعِيَةٍ وَراعٍ***********بَني الأَحرارِ حَسبُكَ مِن خَسارِ

وَكُنتَ إِذا ظَمِئتَ إِلى قَراح**********شَرِكتَ الكَلبَ في ذاكَ الإِطارِ

وَتَقضُمُ هامَةَ الجُعَلِ المُصَلّى*******وَلا تُعنى بِدُرّاجِ الدِيارِ

وَتُدلِجُ لِلقَنافِذِ تَدَّريها ************وَيُنسيكَ المَكارِمَ صَيدُ فارِ

وَفَخرُكَ بَينَ يَربوعٍ وَضَبٍّ*********عَلى مِثلي مِنَ الحَدَثِ الكِبارِ

5-     أسلوبية الانزياح :

ازدادت ظاهرة الانزياح ترسخا في النقد الأدبي بظهور الأسلوبية كعلم يحاول مقاربة ظاهرة الأسلوب مقاربة علمية وصفية تستند إلى منجزات الدرس اللساني الحديث. فقد جعلت الأسلوبية من مفهوم الانزياح عصب البحث الأسلوبي، واعتمدت عليه في تعريفها للأسلوب ووظيفته كلما دعت الضرورة إلى الحديث عن خصائص النص غير العادي، فبعض الأسلوبيين ذهبوا إلى القِران بين الانزياح  والأسلوب، حتى غدا الأسلوب عندهم هو الانزياح أصلا.

إن الحضور المكثف للانزياح في ظاهرة الأسلوب يقودنا إلى القول : "لئن استقام للانزياح أن يكون عنصرا قارا في التفكير الأسلوبي، فلأنه يستمد دلالته لا من الخطاب الأصغر، كالنص والرسالة، وإنما يستمد تصوره من علاقة هذا الخطاب الأصغر بالخطاب الأكبر وهو اللغة التي فيها يسبك.

وتقوم أسلوبية الانزياح على مبدأ انزياح اللغة الأسلوبية عن اللغة العادية ويعرف الأسلوب على أنه انزياح وانحراف وعدول عن المعيار المتعارف عليه, فهم يعتقدون أن الأسلوب الجيد هو الذي ينحرف عن اللغة الأصلية وطريقتها الاعتيادية على اختلافهم في مدى هذا الانحراف والانزياح فمنهم من يدعو إلى الخروج عن كل قواعد اللغة وهذا ما طبقه أهل الحداثة في أدبهم، والمعتدل من النقاد يقول أن الانزياح يكون في حدود قواعد اللغة حيث يكون الإبداع  بسلوك طرق جديدة غفل عنها الآخرون لكنها لا تخالف قواعد اللغة أي النحو والبلاغة وعلوم اللغة الأخرى.

فأمطرت لؤلؤًا من نرجس فسقت          وردًا وعضّت على العنّاب بالبرَد.

تبكي فتذري الطل من نرجس                                         وتمسح الورد بعناب

 



[1] _ شارل بالي (1865-1947)، و قد بدأ في التأسيس لها من خلال كتابيه: (في الأسلوبية الفرنسية) الصادر 1902م، و (المجمل في الأسلوبية) الصادر 1905م .

[2] _ الفرق بين اللغة والكلام يكمن في طبيعة وتكوين كلٍّ منهما، فالكلام هو العمل واللغة حدود هذا العمل، والكلام سلوك، واللغة معيار لهذا السلوك، والكلام نشاط واللغة قواعد منظّمة لهذا النشاط، والكلام حركة واللغة نظام هذه الحركة، ونتحسس الكلام بالسمع عن طريق النطق، وبالبصر عن طريق الكتابة، بينما اللغة هي التأمل والتفهّم لكلّ ما هو مسموع ومقروء، والكلام هو كل ما هو منطوقٌ ومكتوب، أما اللغة هي الموصوفة في كتب الفقه والقواعد والمعاجم وغيرها، والكلام هو عملٌ فردي، بينما اللغة اجتماعيّة.

ليست هناك تعليقات