التسمية

اللّسَانُ السّابِعissane7L

آخر المنشورات:

السلسلة الثالثة لتطبيقات مقياس الأسلوبية وتحليل الخطاب "ثانية لسانس" للموسم 2021/2022:

المستوى: ثانية ليسانس     السداسي: 03.           المقياس: الأسلوبية وتحليل الخطاب .              د. جلول تهامي.

السلسلة الثالثة لتطبيقات مقياس الأسلوبية وتحليل الخطاب  "ثانية لسانس"  للموسم 2021/2022:

مبادئ ومقومات الأسلوبية:

مما سبق نصل إلى القول إن الأسلوبية باتجاهاتها نظرة مهمة في باب النقد الأدبي، فهي انحراف عن المعيار المألوف والمتداول في بناء الكلام الإبداعي، والوحيدة إلى حد ما في رصد مكامن الجمال الفني في النصوص، هذا ما جعل لها مقومات تساعد في الكشف عن بواطن الإبداع والانحراف من أجل إبراز تفرد نص عن آخر وتميز أسلوب مبدع معين عن غيره من المبدعين.

الاختيار:

ويقصد به العمليّة التي يقوم بها المبدع عندما يستخدم لفظة من بين العديد من البدائل الموجودة في معجمه فاستخدام هذه اللفظة من بين سائر الألفاظ هو ما يسمى “اختيار”، وقد يسمّى “استبدال” أي إنّه استبدل بالكلمة القريبة منه غيرها لمناسبتها للمقام والموقف.

ويتّصل بهذا المبدأ شيء آخر هو ما يسمّى بـ”محور التوزيع” أو “العلاقات الركنيّة”، ويقصد بها تنظيم، وتوزيع الألفاظ المختارة وفق قوانين اللغة، وما تسمح به من تصرّف، وهذه العمليّة هي التي يسمّيها جاكبسون: إسقاط محور الاختيار على محور التوزيع.

يرتبط الاختيار بمفهوم الأسلوب ويعتبر حدا فاصلا في تحديد درجة جمالية الإنتاج الأدبي، إذ يذهب الكثير من الأسلوبيين إلى أن عملية الخلق الأسلوبي تستوي في الاختيار، ويكون هذا الاختيار للكلمة أو العبارة أو التركيب التي يراها المبدع أصدق وأسلم وأصوب وأنسب في توصيل ما يريده وبهذا يكون الأسلوب مهارة  لا تصنعا . فالاختيار يقع على المعجم اللفظي وكذا التركيب النحوي والتصوير الفني.

يقول ابن جني عن اختيار العرب للألفاظ: فأول ذلك عنايتها بألفاظها، فإنها لما كانت عنوا َن معانيها، وطريقا إلى إظهار أغراضها ومراميها، أصلحوها ورتّبوها، وبالغوا في تحبيرها وتحسينها، ليكو َن ذلك أوقع لها في السمع، وأذهب بها في الداللة على القصد.

فكان للكلمة أثرها وقدسيتها، وهي تفعل فعلها إلى أبعد مدى؛ فيحاربون ويصالحون، ويُضحون ويَكّرمون نتيجة سماع كلمات، وهم سيدركون القيمة الموسيقية في القرآن، بسبب معايشتهم لفن الشعر والخطابة، واهتمامهم البالغ بالكلمة.

﴿وَقِيلَ يَٰٓأَرۡضُ ٱبۡلَعِي مَآءَكِ وَيَٰسَمَآءُ أَقۡلِعِي وَغِيضَ ٱلۡمَآءُ وَقُضِيَ ٱلۡأَمۡرُ وَٱسۡتَوَتۡ عَلَى ٱلۡجُودِيِّۖ وَقِيلَ بُعۡدٗا لِّلۡقَوۡمِ ٱلظَّٰلِمِينَ٤٤ [هود: 44].

﴿مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٖ مِّن قَلۡبَيۡنِ فِي جَوۡفِهِۦۚ..... ٤ [الأحزاب: 4]

﴿إِذۡ قَالَتِ ٱمۡرَأَتُ عِمۡرَٰنَ رَبِّ إِنِّي نَذَرۡتُ لَكَ مَا فِي بَطۡنِي مُحَرَّرٗا فَتَقَبَّلۡ مِنِّيٓۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ٣٥ [آل عمران: 35]

﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ ٱلۡعَظۡمُ مِنِّي وَٱشۡتَعَلَ ٱلرَّأۡسُ شَيۡبٗا وَلَمۡ أَكُنۢ بِدُعَآئِكَ رَبِّ شَقِيّٗا٤ [مريم: 4]

تقاس عملية التركيب بالرجوع إلى المزاج النفسي للكاتب وثقافته الخاصة، بالإضافة إلى خصائص كل عصر وميزاته، وهي على صلة وثيقة بالاختيار فمن خلالها يستقيم قوام الخطاب الأدبي لهذا كان محل اهتمام الكثير من النقاد الغربيين وكذا العرب وظاهرة التركيب كمستوى من مستويات التحليل الأسلوبي تهتم بدراسة الجمل من
حيث الطول والقصر وكذا أركان التركيب فيها من فعل وفاعل وغيرهما ومبتدأ وخبر وكذا عناصر الربط ودلالاتها، والترتيب، والتقديم والتأخير ..

الانزياح:

اشتَهَر مفهومُ الانزياح وانتشر في الدراسات النقدية والأسلوبية، والغاية البحث عن خصائصَ مميزة للغة الأدبية عمومًا، والشعرية خصوصًا وقد تبنَّى هذا المفهومَ عددٌ مِن الباحثين والنقاد، ومنهم جون كوهن[1] الذي يرى "أن الشرط الأساسي والضروري لحدوثِ الشِّعرية هو حصول الانزياح، باعتباره خرقًا للنظام اللُّغويِّ المعتاد".

والانزياح ترجمة حرفية للكلمة الفرنسية " ECART" على أن المفهوم ذاته في العربية"الفرق أو الفارق" ويعني "العدول" أي التجاوز، أما من الناحية الأسلوبية هو خروج المؤلف عن المألوف فهو القدرة على اختراق المألوف سواء أكان هذا الاختراق صوتيا أم صرفيا أم نحويا أم معجميا أم دلاليا . ومن ثم يحقق النص انزياحا بالنسبة لما عليه فيخرج بذلك النص عن النفعية البلاغية إلى النفعية الجمالية . إن جمالية الانزياح تكمن في إنتاج لغة فنية إبداعية نابعة من اللغة المعجمية العادية المتداولة لتدفع بالقارئ إلى الإقبال على العمل الفني من أجل تذوقه ومدارسته إلى درجة الاستمتاع والاقتناع به فنيا وجماليا من هنا تعددت مسمياته في "علم الأسلوب"[2]، فمرة يسمونه " فن الشعر " بالنظر لعواطف وذاتية المبدع وكذا الفنيات المستصاغة في الأثر الأدبي ، ومرة أخرى يسمونه " سيميولوجية العمل الأدبي ". وذلك بالنظر للبناء اللغوي التركيبي المجرد .

والانزياح حَدَثٌ أسلوبي ذو قيمة جمالية، يصدر عن قرار للذَّاتِ المتكلِّمة بفعل كلامي يبدو خارقًا   لإحدى قواعد الاستعمال التي تسمى معيارًا ، يتحدد بالاستعمال العام للغة مشتركة بين مجموع المتخاطبين بها.

في البلاغة العربية القديمة، صُوَرُ الانزياح عرَفتِ اهتمامَ البلاغيين، رغم أنهم لم يعرفوا المصطلح، فإنهم بحثوا في الخروج عن القاعدة والمألوف بتسميات مختلفة تُشكِّل في النهاية علمَ البلاغة؛ فدرسوا الاستعارة، والتقديم والتأخير، والعدول، إلى غير ذلك من المباحث البلاغية.

في العصر الحديث اهتمَّ بعض النقَّاد العرب بمفهوم الانزياح، وعلى رأسهم عبدالسلام المسدي، في كتابه (الأسلوب والأسلوبية)، وصلاح فضل، وتمام حسان، ومحمد العمري، وغيرهم، إلا أن المُلاحَظ هو أن النقاد العرب يصطلحون على المفهومِ اصطلاحات مختلفة؛ حيث تتداخل مع مصطلح الانزياح عدةُ مصطلحات، أهمها العدول والتغريب.

الأسلوبية والبلاغة:

هناك أوجه اتفاق كثيرة بين علم الأسلوب وعلم البلاغة كما توجد أوجه اختلاف , ولعل الوقوف على هذه الفروق يوضح لنا ويجلي مدى العلاقة والاتصال بين علم الأسلوب والبلاغة .


فأما أوجه الاتفاق فهي كما يأتي :

1-     كلا هما نشأ منبثقا من علم اللغة وارتبط به .

2-     مجالهما واحد وهو اللغة والأدب.

3-     علم الأسلوب استفاد كثيرا من مباحث البلاغة مثل علم المعاني والمجاز والبديع وما يتصل بالموازنات بين الشعراء وأساليبهم الفردية .

4-     كما أنهما يلتقيان في أهم مبدأين في الأسلوبية هما: العُدول والاختيار.

5-     يرى بعض النقاد أن الأسلوبية وريثة البلاغة وهي أصل لها.

6-      تلتقي الأسلوبية مع البلاغة في نظرية النظم، حيث لا فصل بين الشكل والمضمون كما أن النص لا يتجزأ.

7-     البلاغة تقوم على "مراعاة مقتضى الحال" والأسلوبية تعتمد على "الموقف" وواضح ما بين المصطلحين من تقارب .

أما أوجه الاختلاف فهي على النحو الآتي:

-     علم البلاغة علم لغوي قديم أما علم الأسلوب فحديث.

-     البلاغة تدرس مسائلها بعيدا عن الزمن والبيئة أما الأسلوبية فإنها تدرس مسائلها بطريقتين :

o      طريقة أفقية . أي علاقات الظواهر بعضها ببعض في زمن واحد .

o      طريقة رأسية . أي تطور الظاهرة الواحدة على مر العصور.

-     عندما تدرس البلاغة قيمة النص الفنية فإنها تحاول  أن تكشف مدى نجاح النص المدروس في تحقيق القيمة المنشودة، وترمي إلى إيجاد الإبداع بوصاياها التقييمية .أما الأسلوبية فإنها تعلل الظاهرة الإبداعية بعد إثبات وجودها وإبراز خواص النص المميزة له.

-     من حيث المادة المدروسة فالبلاغة توقفت عند الجملتين كحد أقصى في دراستها للنصوص كما أنها تنتقي الشواهد الجيدة وتجزئها .أما الأسلوبية فتنظر إلى الوحدة الجزئية مرتبطة بالنص الكلي وتحلل النص كاملا.

-     البلاغة غايتها تعليمية ترتكز على التقويم , أما الأسلوبية فغايتها التشخيص والوصف للظواهر الفنية .

وبعد هذه المقارنة بين البلاغة والأسلوبية يتضح لنا أنه لا تعارض بينهما وأن الأسلوبية استفادت من البلاغة كثيرا بل إن الأسلوبية لم تنهض إلا على أكتاف البلاغة ولكنها تقدمت عليها في مجال علم اللغة الحديث ولو أن هذا التقدم لا يصعب على البلاغة أن تحوزه إذا ما استفادت من مبادئ وإجراءات علم اللغة الحديث وعلم الأسلوب والمناهج الألسنية بعامة .

بل إن البلاغة وبما تملكه من إمكانات علمية ثابتة وقواعد راسخة وما بذله لها علماء البلاغة قديما وحديثا قادرة على خلق نظرية حديثة متطورة تفوق كل النظريات السابقة إذ ما التزمت بأساسها واستفادت من التطور العلمي الحديث ويظهر هذا فيما قدمه عبد القاهر الجرجاني للبلاغة من تطور بنظريته المشهورة التي قفزت بالبلاغة إلى درجات لم تصل إليها اللغات الأخرى إلا في هذا العصر فلو وجدت البلاغة من يكمل المسير الذي سار عليه عبد القاهر لما تأخرت في هذا العصر وبقيت مرمى سهام الحاقدين على العربية وأهلها .

وإن أي علم يتخلف عن مواكبة تطور العلوم وتقدمها فإنه يتقادم ويذبل أمام بهرجة الحديث وإغراءه خاصة إذا وجد من يتبناه من الباحثين والعلماء المتمكنين .








[1] _ يقول جون كوهن: الأسلوب هو كل ما ليس شائعًا ولا عاديًّا ولا مَصُوغًا في قوالبَ مستهلكة...، هو مجاوزة بالقياس إلى المستوى العادي، فهو إذًا خطأٌ مُراد".

[2]_ إن الأسلوب في جوهره انحرافٌ عن قاعدةٍ ما.


ليست هناك تعليقات