التسمية

اللّسَانُ السّابِعissane7L

آخر المنشورات:

المحاضرة الرابعة في مقياس علم الدلالة العربي "ماستر لسانيات عربية" للموسم 2022/2023:

 

المستوى: ماستر لسانيات عربية.    السداسي: 03.     المقياس: علم الدلالة العربي "محاضرة".    د. جلول تهامي.

المحاضرة الرابعة في مقياس علم الدلالة العربي "ماستر لسانيات عربية"  للموسم 2022/2023:

الدلالة والترجمة:

مصطلح الترجمة يضم أنواعاً مختلفة من الترجمة أبرزُها الترجمة المعرفية التي ينصرف إليها الذهن عادة إذا لم تكن هناك صفة محددة مثل: الترجمة العلمية والترجمة التقنية والترجمة الرسمية والترجمة الوثائقية والترجمة الأدبية والترجمة الشعرية والترجمة الدينية، وهناك أيضاً ترجمات محددة بالتخصص النوعي مثل الترجمة الفورية والترجمة الآلية والترجمة الرقمية، وكلها الآن موضع توّسع هائل وتنطلق منها تفرعات متوالدة يومياً حسب التطور الاجتماعي والحضاري.  ولكلٍ من هذه الترجمات مشكلاتها وضوابطها.

والترجمة كانت وسيلة التواصل المعرفي والعملي والتجاري بين البشر، وأهميتها تتزايد نوعياً مع تقدم الحضارة الإنسانية وتسهيلات التواصل بين الأمم سواء كان هذا التواصل إيجابياً أو سلبياً كما هو شأن الحروب والغزوات التي تزيد يومياً من أهمية الترجمة لأجل إحراز النصر والغلَبة.

وهكذا لا نستطيع أن نتحدث عن الترجمة بوجه عام، إذ في كل مجال هناك تفرعات تزداد تخصصاً نوعياً مع تقدم الحضارة الإنسانية.  وفي المحاضرة الحالية نفضل أن نحصر الحديث بالترجمة المعرفية (المكتوبة) التي تتناول الآداب والاجتماعيات والتربية والعلوم، أي المتداولة في الكتب والمؤلفات والمجلات التي ينشرها العاملون تحت عنوان الترجمة.

 ما مشكلات الدلالة في الترجمة ؟

 مشكلات الدلالة في الترجمة:

المشكلة الأساسية في عملية الترجمة بين لغتين هي محاولة إيجاد لفظ ما في لغة ما مطابق للفظ آخر في لغة أخرى. وهذا يفترض تطابق اللغتين في التصنيف، وفي الخلفيات الثقافية والاجتماعية، وفي مجازاتها واستخداماتها اللغوية، وفي أخيلتها وتصوراتها. وهو ما لا يتحقق ولا يمكن أن يتحقق مطلقا. ويختلف اللغويون المحدثون في هذا مع أرسطو الذي كان يرى أن المعاني تتقابل تماما من لغة إلى لغة، بمعنى أن أي كلمة في لغة يمكن أن نجد لها مرادفا مطابقا في اللغة الأخرى. فإذا كان الاختلاف موجودا بين الفرد والفرد من أبناء اللغة، بل بين الفرد ونفسه من موقف إلى موقف، ومن حالة إلى حالة، فإنه موجود بين اللهجة واللهجة، وبين اللغة واللغة.

ويتفرع عن هذه المشكلة الأساسية مشكلات جزئية أو تطبيقية كثيرة نرى أن من أهمها ما يأتي:

اختلاف المجال الدلالي للفظين يبدوان مترادفين: وهذا يشمل:

01-اتساع مدلول الكلمة و ضيقه من لغة لأخرى:

 وأكثر ما يتضح هذا في مجال الألوان، حيث تمتد رقة الألوان دون فاصل طبيعي ولا حدود متدرجة من الأحمر حتى البنفسجي، إذ تتبع كل لغة طريقة خاصة في التقسيم، ونتيجة لهذا نجد أن بعض اللغات تعبر عن لونين بلفظ واحد، كلفظ "الأزرق" الذي كان يطلقه العرب القدماء على ما نسميه الآن بالأخضر والأزرق. كما أن بعض اللغات تضع أكثر من لفظ لدرجات من اللون الواحد.

02_استخدام الكلمة في أكثر من معنى في لغة و في معنى واحد في اللغة الأخرى:

ومنه تعبير العرب عن درجات الحمرة بألفاظ مثلا "أرجوان" للشديد الحمرة[1]، وبهرمان[2] لما دونه بشيء من الحمرة. وإطلاقهم لفظ "المقدم" على المشبع حمرة. والمضرج[3] دونه والمورد بعده. وكذلك احتواء بعض اللغات على اللفظين للأخضر، أحدهما للنبات، والآخر للملابس، أو على لفظين للأزرق أحدهما لحبات الخرز وعقود الزينة، والآخر للأزهار، أو على ثلاثة ألفاظ للبني.

ومن أمثلة ذلك أيضا الكلمات:

1.   طويل: التي يقابلها في الإنجليزية tall[4] و long ، ولكل منها استخداماته الخاصة. وكثيرا ما يحدث الخلط بين مستخدمي اللفظين الإنجليزيين من العرب فيضعون أحدهما مكان الآخر.

2.   مشغول: في العربية التي يقابلها في الإنجليزية busy  و engaged. وكثيرا ما يختلط بينهما العرب فيصفون التليفون مثلا بأنه busy.

3.   قريب: في العربية التي يقابلها في الإنجليزية [5]relative و near  والفرق بينهما واضح. وقد يتسع مجال استخدام اللفظ في إحدى اللغتين حتى ينقل إلى باب المشترك اللفظي أو تعدد المعنى. كما في المثال الآتية:

1.   كلمة "مكتبة" في اللغة العربية يقابلها في اللغة الإنجليزية أكثر من كلمة يستخدمها كل منها في حالة خاصة:

‌أ.       فكلمة library تعني المكتبة العامة التي يرتادها الجمهور للإطلاع.

‌ب. وكلمة book-store أو book-shop تعني المكتبة التي تقوم ببيع الكتب.

‌ج.  وكلمة book-collection تعني المكتبة ذات الملكية الخاصة.

وكثيرا ما نرى أحد محلات بيع الكتب يضع لا فتة بالعربية والإنجليزية تجمع بين كلمتي مكتبة و library . والعذر في الخلط واضح، لأن المعاجم الثنائية اللغة لا تنبه إلى الفروق في الاستعمال بين هذه الألفاظ. فمعجم  Hans wehr مثلا يترجم مكتبة إلى library و book-store و desk . دون أن يحدد الفرق في الاسنخدام بينها.

اختلاف التوزيع السياقي لكلمتين تبدوان مترادفتين:

يختلف هذا عن السابق في أن اللفظين يعدان مترادفين في اللغتين في معناهما العام ولكنهما يختلفان في تطبيقات الاستعمال، أو في السياقات اللغوية التي يردان فيها. ومثال ذلك ما يأتي:

1.   كلمة poor الإنجليزية تأتي في سياقات متنوعة، مثل:

Poor man : محتاج (ماديا) -فقيرا

Poor boy : عند استحقاق الشفقة مسكين مثلا.

Poor box : صندوق الصدقات (تجمع فيه التبرعات لتوزيعها على الفقراء)   الضعف والضعفاء.

Poor opinion : فكرة تافهة أو متواضعة، رأي سيء

Poor health : صحة منحرفة –مريضة، حالة صحية سيئة.

ولا يمكن لمقابلتها العربية أن تأتي في سياقات متطابقة، فلا يقال: يا له من ولد فقير (في موقف الشفقة) ولكن يقال: يا له من ولد مسكين. ولا يقال الصحة فقيرة، ولكن يقال: عليلة أو ليست على ما يرام. ولا يقال: منزل فقير، ولكن يقال:منزل متواضع، وكذلك فكرة متواضعة.

ومما يدل على عدم تطابق الكلمتين في اللغتين أن كلمة poor تقابل good في مثال: poor work : good work . وتقابل rich في مثال : poor man : rich man

مع أن كلمة فقير العربية تقابل الثاني دون الأول.

03_الاستخدامات المجازية:

لما كانت اللغات لا تتطابق في الاستخدام المجازي للألفاظ و التعبيرات فإن الترجمة لأي استخدام مجازي لا يصح أن تكون حرفية. ويبدو الاختلاف في الاستخدامات المجازية في استعارة أعضاء البدن للجمادات. فالإنجليزية مثلا تقول: the hands of the clock ولكن العربية تقول: عقارب الساعة. والإنجليزية تستخدم كلمة foot للدلالة على أسفل الجبل، ولا يوجد هذا التعبير في العربية "قدم الجبل".

ومن التعبيرات المجازية التي يمكن أن تثير الغرابة أو ترمي بالانحراف أول استعمالها ثم بكثرة الاستخدام تصبح عبارات عادية مألوفة. ولكن من الممكن القيام بالترجمة الحرفية في بعضها حين تلتقي اللغتان في الخلفية، أو تشتهر ترجمة أحد التعبيرين في اللغة الأخرى. ومثال ذلك: الكذبة البيضاءthe white laying ، الراية flag  البيضاء ... وما أشبه ذلك.

وكثير من التعبيرات المجازية تعكس خبرة اجتماعية أو ثقافية معينة، ولذا لا تكاد تفهم إذا ترجمت في اللغة الأخرى. من أمثلة ذالك التعبير الإنجليزي: a red letter day للدلالة على اليوم المليء بالبهجة والسرور. فقد نشأ التعبير أولا من عادة التقويم الإنجليزي كتابة أيام الأعياد الرسمية والإجازات الدينية بحروف حمراء. ومن ذلك أيضا التعبير العربي: الملازم الصفراء الذي يعني الكتب التراثية حتى لو طبعت على ورق أبيض، وجلدت في شكل كتاب. وهو يشير بخاصة إلى كتب الأزهريين في القديم التي كانت تطبع في شكل ملازم، وعلى ورق أصفر رخيص الثمن.

04_اختلاف التصنيفات الجزئية:

يتصور كثير من اللغويين اللغات على أنها مجموعة من الأبعاد أو الامتدادات التي يوجد معظمها بصورة مشتركة في اللغات. ومن اللغويين من سار خطوة إلى الإمام فحاول حصر هذه الأبعاد أو الامتدادات، أو ما سماه بالمجالات أو الحقول الدلالية عن طريق تصنيفات عامة قام بها.

وقد قدم هؤلاء تصنيفهم العام للموجودات في العالم من حولنا، وأقاموه على أساس من الوظيفة، أو الحجم، أو الشكل، أو اللون...، واختلاف التصنيف الجزئي أمر طبيعي في كل اللغات حتى في الظواهر العامة المشتركة. فكل اللغات تستخدم الجهاز النطقي بصورة متشابهة، ولكنها تختلف في عملية انتقاء الأصوات التي توظفها نتيجة لاختلافها في تحديد أماكن إنتاجها، وكل اللغات تركب كلمات ومقاطع من الأصوات، ولكنها تختلف في اختياراتها وفي طرق تركيبها تبعا لانتقاءاتها.

ولا توجد لغة في العالم تستوعب كل امكانيات تشكيل الجهاز النطقي، أو كل إمكانيات تشكيل الكلمات، ولذا تقوم كل لغة بعملية انتقاء على مسافات متباعدة حتى يسهل على اللغة أداء وظيفتها، ويمكن للمتكملين أن يتفاهموا بحد أدنى من الجهد. فكل اللغات تنتقي، ولكن الانتقاء قد يتطابق في نقطة وقد يتخالف في نقطة أخرى. فإذا حدث التطابق كانت الترجمة أو النقل من اللغة إلى اللغة الأخرى أمرا سهلا، وإذا لم يحدث ظهرت المشكلة.

ومن أوضح الأمثلة على اختلاف اللغات في تصنيفاتها الجزئية: حقل الحرارة والبرودة فبالنسبة لألفاظ الحرارة والبرودة فإن اللغة الانجليزية تشتمل على كلمات كثيرة مثل:

1.      freezingتجمد.      icyجليدي.      باردfrigid.      chilly.      cool.      cold.      fresh.      lukewarm.      mild.         moderate.         hot

   sweltering.         scorching.         burning.         boiling

وينتج عن اختلاف التصنيفات الجزئية ظاهرتان هما:

*   التزيد والحشو

*   الفجوة المعجمية

وهما ظاهرتان متضادتان، الأولى تشير إلى وجود ألفاظ لا يوجد حاجة إلى وجودها لاستعمال اللغة على ما يغني عنها. والثانية تشير إلى نقص في التعبير عن فكرة أو جزئية تعبر إحدى اللغتين عنها بلفظ وتخلو اللغة الأخري من مقابله. وقد يحدث هذا بصورة اعتباطية كما في لفظ uncle الذي يعبر عن أخ الأب وأخ الأم في حين أن اللغة العربية تعبر عنها بلفظين هما العم والخال. ولذا إذا أريد التمييز في اللغة الإنجليزية قيل: paternal uncle (عم) و maternal uncle (خال). وعكسه في اللغة العربية الكلمتان الإنجليزيتان finger and toe حيث يترجمان إلى "إصبع" دون تمييز بين إصبع اليد أو إصبع القدم.

05- التلطف في التعبير واللامساس:

توجد في بعض اللغات حساسية نحو ألفاظ معينة ربما ارتبطت ببعض المعاني التي لا يحسن التعبير عنها بصراحة. ولذا تتجنبها وتستعمل بدلها ألفاظا أخرى أقل تصريحا. ويلفظ اللفظ المتروك أو المقيد الاستخدام بأنه من ألفاظ "اللامساس"، ويوصف اللفظ المفضل بأنه من باب"التلطف في التعبير" .

وكثيرا ما لا يتنبه أصحاب المعاجم والمترجمون إلى هذه النقطة فيضعون اللفظ في مقابل اللفظ الآخر دون أن يساووا بينهما في درجة التلطف أو اللامساس مما قد يوقع من يعتمد على المعجم في ورطة.

ومن أمثلة ألفاظ التلطف واللامساس في اللغتين العربية والإنجليزية:

التعبير عن المرأة الحامل في الإنجليزية بكلمة pregnant لا تكاد تسمعه في اللغة المؤدبة. وإنما استعاضوا عنها بكلمات أخرى مثل: expectant mother أو mother-to-be ، ونظيره في العربية كلمة "حبلي" التي لا تكاد تسمعها في اللغة المؤدبة التي استعاضت عنها بكلمة "حامل". ولذا من يضع كلمة عربية في مقابل الكلمة الإنجليزية pregnant لا يصح أن يضع كلمة "حامل" وإنما يضع كلمة "حبلي" لتحمل نفس الإيحاءات للكلمة المقابلة لها.

 وتكثر كلمات التلطف واللامساس في التعبير عن العلاقة الجنسية حتى تكاد تحظى هذه العلاقة بنصيب الأسد في مفردات اللغة.

كما تكثر  في التعبير عن أماكن قضاء الحاجة، وعند الأطباء، ودروس الفقه، علم الإحياء....

06- الإيحاء و الجرس الصوتي:

وهذه المشلكة لا يمكن للمعاجم التقليدية أن تعالجها بحال من الأحوال، وذلك لسببين:

1.   لأن حلها يعتمد على السياق الذي ترد فيه الكلمة، وعلى الشحنة الإيحائية التي تحملها، وعلى الجرس الموسيقي الذي تؤديه، وعلى توافقها الصوتي مع ما يجاورها من كلمات. وهي أمور أَدْخَل في باب الأسلوب منها في باب المعجم ويفطن إليها الأدباء والشعراء أكثر من غيرهم.

2.   لأن المعاجم التقليدية تركز على ما يسمي بالمعنى الرئيسي أو الأساسي (يسمى كذلك بالمعنى الأولى أو المركزي أو التصوري) الذي يعد العامل الرئيسي للاتصال اللغوي، والممثل الحقيقي للوظيفة الأساسية للغة، وتغفل جوانب أخرى من المعنى مثل:

‌أ.         المعنى الإضافي أو العرضي

‌ب.     المعنى الإيحائي

‌ج.      المعنى الأسلوبي

‌د.        المعنى النفسي.

06- اختلاف المألوفات الثقافية والإجتماعية:

هناك من المعانى ما يعكس عادات أو مألوفات اجتماعية في بيئة ما فتعبر عنها تلك البيئة بكلمات في اللغة، في حين أن إيجاد مقابل لها في اللغة الأخرى قد يكون مستحيلا أو غير مطابق.

بل إن من اللغويين من يعمم هذا الحكم ويرى أن المعنى يتضمن مجتمع اللغة، وأنه نمط اجتماعي يجب أن يوصف فقط باعتبار  وظيفة اللغة في المجتمع.

ويحس بمدى الإرتباط الثقافي والإحتماعي للكلمات من يشتغل بالترجمة من لغة إلى لغة، إذ تتوقف دقة ترجمته على قدرة اللغتين على أن تعكس الحياة الثقافية والإجتماعية المعينة، وكلما تقاربت الثقافتان أو تطابقتا دقت الترجمة، وكلما تباعدتا أو انفصلتا صعبت الترجمة أو استحالت.

مثلا: كلمة wife لايمكن أن تترجم بكلمة واحدة في اللغة العربية المعاصرة لأن مقابلها العربي قد يكون: المدام –الجماعة–الست–مراتي– زوجتي– المرأة -... حين حديث المتكلم عن نفسه. وقد تكون: عقيلته-حرمه-زوجته–الست- المدام.. حين التحدث عن الغير أو إلى الغير.

 



[1] الأُرْجُوان صبغٌ أَحمرُ شديد الحمرة.

[2] تَبَهْرَمَ الرأسُ: احْمَرَّ.

[3] وَلِلْحُرِّيَّةِ الْحَمْرَاءِ بَابٌ ... ... بِكُلِّ يَدٍ مُضَرَّجَةٍ يُدَقُّ

[4] tall man

[5] على علاقة بكذا

ليست هناك تعليقات