التسمية

اللّسَانُ السّابِعissane7L

آخر المنشورات:

المحاضرة الأولى في مقياس أصول النحو للسنة الثالثة ليسانس لغة للموسم 2020/2021:

 

المستوى: ثالثة ليسانس.    السداسي: 06.     المقياس: أصول النحو "محاضرة".          د. جلّول تهاميّ.

المحاضرة الأولى  في مقياس أصول النحو للسنة الثالثة  ليسانس لغة  للموسم 2020/2021:

توطئة:

ما الأصل؟ وما النحو؟

أيهما أسبق الشيء أم أصل الشيء؟

o      كلمة (الأصول) أصلها الّلغويّ المادّة  (أ ص ل)، وأصلُ الشّيء أسفله، والقصد في أسفل الشّيء هو الأساس الذي يتفرّع منه ومبدؤه الأوّل.

o      أصول جمع أصل وهو:

                            ü            ما يبنى عليه غيرُه؛ كأساس البيت.

                            ü            ويأتي بمعنى الدليل، نقول: أصل تحريم الخمر قوله تعالى في سورة المائدة: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [المائدة: 90].

                            ü            ويأتي بمعنى الحكم المجمع عليه.

                            ü            ويأتي بمعنى الكتاب، نقول: صحيح البخاري من أصول أهل السنة والجماعة.

                            ü            ويأتي بمعنى المقيس عليه.

o      مُفردة الأصول المُرتبطة بالعُلوم هي مجموعة القواعد التي تُبنى من خلالها الأحكام المُتعلّقة بالعِلم.

o      مفهوم عِلم الأصول يتمثّل في كونه عِلماً يبحث في قواعد معيّنة يتمّ فيه استنباط الأحكام الفرعيّة الخاصّة بذلك العِلم.

o      يعرف ابن الأنباري علم أصول النحو فيقول: العِلم الذي يتناول الأدلّة النّحويّة التي تمّ تحليلها من فروع النّحو وفُصوله.

o      يعرف السيوطي علم أصول النحو بقوله: أصول النحو علم يبحث فيه عن أدلة النحو الإجمالية من حيث هي أدلته وكيفية الاستدلال بها وحال المستدل.

ويقدم شرحا لما جاء في هذا التعريف:

    ü            علم: أي صناعة مدونة مقررة سواء وجد العالم به أم لا.

    ü            أدله النحو:  يخرج كل صناعة سواه وسوى النحو وأدلة النحو الغالبة أربعة[1].

    ü            الإجمالية:  احتراز من البحث عن التفصيلية فهي وظيفة علم النحو نفسه وليس علم أصول النحو.

    ü            من حيث هي أدلته:  بيان لجهة البحث عنها أي البحث عن القرآن بأنه حجة في النحو لأنه أفصح الكلام.

    ü            وكيفية الاستدلال بها: أي عند تعارضها ونحوه، كتقديم السماع على القياس.

    ü            حال المستَدِلِّ: أي المستنبِط للمسائل من الأدلة، أي صفاته وشروطه وما يتبع ذلك من صفة المقلد والسائل.

تعريف النحو:

أورد ابن جني في الخصائص في باب القول على النحو أن النحو: انتحاء سمت كلام العرب في تصرفه من إعراب وغيره،كالتثنية، والجمع، والتحقير، والتكسير والإضافة، والنسب، والتركيب، وغير ذلك، ليلحق من ليس من أهل العربية بأهلها في الفصاحة، فينطق بها وإن لم يكن منهم، وإن شذّ بعضهم عنها رُدّ به إليها، وهو في الأصل مصدر شائع، أي نحوت نحوا،كقولك قصدت قصدا، ثم خص به انتحاء هذا القبيل من العلم .

نجد في محاضرات دي سوسير:(( إن علم اللغة الثابت أو وصف الحالة اللغوية هو القواعد بالمفهوم الدقيق الاعتيادي الذي تستخدم فيه هذه الكلمة في عبارات مثل "قواعد البورصة" وغيرها حيث نقصد بالقواعد شيئا نظاميا معقدا يتحكم بالعلاقات المتبادلة بين القيم الموجودة في آن واحد...فقد جرت العادة أن يطلق على الصرف والنحو بالقواعد)).

 

*   "أن تفهم مدلول لفظة يعني أن تعرف الامكانات النحويه لاستعمالاتها".

*   لايقول النحو شيئا عن الكيفية التي يجب أن تبنى بها اللغة حتى تحقق الغرض منها وحتى تؤثر في الإنسان بطريقة كذا أو كذا  هو يصف استعمال العلامات فقط.

 

النحو وأصول النحو:

عِلم النّحو هو العِلم الذي يتناول القواعد والمقاييس التي تمّ استنباطها من الكلام العربيّ الفصيح، كما عرّفه ابن السّرّاج حين قال بأنّه العِلم الذي استخرجه المُتقدِّمون بناءً على دراستهم لكلام العرب، أمّا عِلم أصول النّحو فهو العِلم الذي يبحث في الأدلّة النّحويّة الأساسيّة لاستخراج الأحكام والقواعد الفرعيّة لعلم النّحو، مما يقود إلى فهم العلاقة القائمة بين العلمين، والتي تصنّف على أنّها علاقة مبنيّة على التّكامل، فحتّى يتمّ وضع القواعد والأحكام المتّبعة في علم النحو يلزم اسنادها إلى أدلّة أصوليّة وضعها النُّحاة أثناء دراستهم لفروع النّحو، ومن خلال هذه القواعد الأصوليّة الأساسيّة يتمّ بناء عِلم النّحو العربيّ بفروعه وفصوله، فعلم أصول النحو هو المعيار والميزان القويم الذي يقوم عليه علم النحو.

 

بين أصول النحو وأصول الفقه:

                      شهِدنا  في علم النحو كتاب سيبويه (ت 180هـ) الذي أكمل به كثيرًا من أُسس علم النحو. كما شهِدت المرحلة نفسها ظهور أول كتاب في أصول الفقه وهو "الرسالة[2]"؛ للإمام الشافعي (ت179هـ) .

                     يُمكن توضيح العلاقة بين عِلميّ أصول الفقه وأصول النّحو من خلال الرّجوع إلى تعريف كلّ واحدٍ منهما:

أصول النحو: سبق تعريفه.

 أصول الفقه: مجموعة القواعد الكلية التي يتوصل بها إلى استنباط الأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية.

السيوطي (ت 911 هـ) يقول في الاقتراح في أصول النحو): "هذا كتاب غريب الوضع عجيب الصنع لطيف المعنى طريف المبنى لم تسمح قريحة بمثاله ولم ينسج ناسج على منواله في علم لم أُسبق إلى ترتيبه، ولم أُتقدَّم إلى تهذيبه، وهو أصول النحو الذي هو بالنسبة إلى النحو كأصول الفقه بالنسبة إلى الفقه".

إذا كانت أدلة الفقه الرئيسة هي النقل "الكتاب والسنة"، والإجماع، والقياس، فإن أدلة النحو الأساسية تنحصر هي بدورها في النقل والإجماع والقياس، وعند بعضهم استصحاب الحال.

v   علم أصول الفقه موضوعه "أدلة الفقه"، والفقهاء قسموا الحكم الشرعي إلى واجب وحرام، ومندوب ومكروه، ومباح ووضعي.

v   علم أصول النحو موضوعه "أدلة النحو" التي تمّ تحليلها من فروع النّحو وفُصوله. والنحاة قسموا الحكم النحوي، فهو عندهم واجب، وممنوع، وحسن، وقبيح، وخلاف الأولى، وجائز على السواء.

 

الاحتجاج وكلام العرب:

كلام العرب:

تذكر بعض المصادر ومنها الأعلام لخير الدين الزركلي أن جميع العرب ولدُ إسماعيل عليه الصلاة والسلام فقد نطق بالعربية المُبِينَةِ على غير التلقين والتمرين، وعلى غير التدريب والتدريج.

وفي ((طبقات فحول الشعراء)) : (قال يونس بن حبيب: أَوَّلُ من تكلم بالعربية، ونسي لسانَ أبيه إسماعيل بن إبراهيم        – صلوات الله عليهما –).

واللغة التي تُسْتَعْمَل في معظم بلدان آسيا، وفي مصر، وبعض بلدان شمال إفريقيا، وفي غيرها من الأمصار، تسمى اللغة العربية نسبة إلى العرب الذين هم في الأصل سكانُ اليمن والحجاز، وسائر ما يجاورها من البلاد المعروفة بجزيرة العرب، وسكان صحارى الشام، والجزيرة والعراق.

قال الشافعي:

 لسانُ العرب أوسعُ الألسنة مذهباً، وأكثرها ألفاظاً، ولا نعلمه يحيط بجميع علمه إنسان غير نبي، ولكنه لا يذهب منه شيء على عامتها حتى لا يكون موجوداً فيها من يعرف.

 

 

الاحتجاج:

كلام العرب شعراً ونثراً مصدرٌ من مصادر الاحتجاج  في اللغة والنحو والصرف بعد كتاب الله  تعالى وحديث رسولِه صلى الله عليه وسلم.

قول لأبي النصر الفارابي في كتابه "الألفاظ والحروف" :

يراد بالاحتجاج إثبات صحة قاعدة، أو استعمال كلمة أو تركيب بدليل نقلي صح سنده إلى عربي فصيح سليم السليقة، ويحتج بالكلام العربي لغرضين هما:

    ü            غرض لفظي يدور حول صحة الاستعمال من حيث اللغة والنحو والصرف.

    ü            وغرض معنوي لا علاقة له باللفظ.

جاء في خزانة الأدب للبغدادي:

علوم الأدب ستة اللغة والنحو والصرف والمعاني والبيان والبديع والثلاثة الأولى لا يستشهد لها إلا بكلام العرب دون الثلاثة الأخيرة فإنه يستشهد عليها بكلام المولدين لأنها راجعة إلى المعاني ولا فرق في ذلك بين العرب وغيرهم إذ هو أمر راجع إلى العقل.

من يُحتجُّ بكلامه؟:

هناك إجماع من أهل اللغة على أن الاحتجاج يكون بقول من يوثق بفصاحته وسلامة عربيته وعرضوا أصناف هؤلاء زمانا ومكانا.

التحديد الزماني:

احتجوا بأقوال عرب الجاهلية وفصحاء الإسلام حتى منتصف القرن الثاني سواء سكنوا الحضر أم البادية.

وصُنف الشعراء أربعة أصناف:

o      جاهليون: وهم قبل الإسلام كامرئ القيس والأعشى.

o      مخضرمون: كلبيد وحسان.

o      إسلاميون: الذين كانوا في صدر الإسلام كجرير والفرزدق.

o      محدثون: أولهم بشار بن برد وأبو نواس.

انعقد الإجماع على صحة الاستشهاد بالطبقتين الأوليين واختلفوا في الطبقة الثالثة وذهب صاحب الخزانة إلى جواز الاستشهاد بها أما الطبقة الرابعة فلا يستشهد بها في علوم اللغة والنحو والصرف خاصة. وكان آخر من يحتج بشعره  إبراهيم ابن هرمة (70/150) ه  والذي ختم به الأصمعي الشعر، أما أهل البادية فقد استمر العلماء يدونون لغاتهم حتى فسدت سلائقهم في القرن الرابع الهجري.

للاحتجاج عصران الأول ينتهي في منتصف القرن الثاني للهجرة، والثاني يخص أهل البادية والذي يمتد حتى القرن الرابع للهجرة.

 

 

التحديد المكاني:

قول لأحمد بن فارس :

أجمع علماؤنا بكلام العرب، والرواة لأشعارهم، والعلماء بلغاتهم وأيامهم ومحالِّهم: أن قريشاً أفصح العرب ألسنةً، وأصفاهم لغة، وذلك أن الله سبحانه اختارهم من جميع العرب واصطفاهم، واختار منهم نبيَّه محمداً صلى الله عليه وسلم.

كانت قريش أجود العرب انتقاءاً للأفصح من الألفاظ، وأسهلها على اللسان عند النطق بها، وأحسنها مسموعاً، وأبينها إبانةً عمَّا في النفس.  والذين عنهم نقلت اللغة العربية، وبهم اقتُدِي، وعنهم أُخذ اللسان العربي -من بين قبائل العرب- هم: قيس، وتميم، وأسد، فإن هؤلاء هم الذين عنهم أكثر ما أُخذ ومُعظمه. وعليهم اتكل في الغريب، وفي الإعراب والتصريف، ثم هُذَيْل، وبعض كنانة، وبعض الطائِيِّينَ، ولم يؤخذ عن غيرهم من سائر قبائلهم.

أما قريش فلا ترى في كلامها:

عَنْعَنَةَ تميم: قلبهم الهمزة في بعض كلامهم عيناً.

ولا كَشْكَشَة أسد: إلحاق الشين بكاف المخاطبة أو جعل الشين مكان الكاف "منك= منش".

ولا كَسْكَسَةَ ربيعة: وهي أن يزيدوا بعد كاف المؤنثة سيناً فيقولون :أعطيتكس  بدلا من  أعطيتك.

ولا الكَسْرَ الذي تسمعه من أسد، وقيس مثل: يِعْلَمُون ونِعْلَم، ومثل: شِعير وبِعير؟. وتسمى التلتلة.

وبالجملة فإنه لم يؤخذ عن حضري ولا عن سكان البراري ممن كان يسكن أطرافَ بلادهم سائرُ الأمم الذين حولهم:

فلم يؤخذ عن لخم،ولا عن  جذام، ولا من قضاعة،ولا من غسان، ولا من إياد، ولا من ثغلب ولا من بكر، ولا من عبد قيس، ولا من أزد عمان، ولامن أهل اليمن لمخالطتهم الحبشة……إلخ.

هذا التصنيف حاز القبول وجرى عليه العمل وكان الخروج عليه مدعاة للنقد:

فلما اعتمد ابن مالك على لغات لخم وجذام  وغسان تعقبه باللوم أبو حيان في شرح التسهيل فقال: "ليس ذلك من عادة أئمة هذا الشأن".

وكان أبو عمرو بن العلاء يقول: لا أقول قالت العرب إلا ما سمعت من عالية السافلة وسافلة العالية يريد ما بين نجد وجبال الحجاز حيث قبائل أسد وتميم وبعض قبائل قيس.

وكان عثمان يقول: لا يملين في مصاحفنا إلا غلمان قريش وثقيف.

وأما أحوال هؤلاء العرب المحتج بكلامهم فخيرها ما كان أعمق في التبدي وألصق بعيشة البادية فمما يفخر به البصريون على الكوفيين أخذهم عن الأعراب أهل الشيح  والقيصوم وحرشة الضباب وأكلة اليرابيع  ويقولون للكوفيين أخذتم عن أكلة الشواريز وباعة الكواميخ.

قول للفرابي:

"وأنت تتبين ذلك متى تأملت أمر العرب في هذه الأشياء. فإن فيهم سكان البراري وفيهم سكان الأمصار. وأكثر ما تشاغلوا بذلك من سنة تسعين إلى مائتين. وكان الذي تولى ذلك منهم من بين الأمصار أهل الكوفة والبصرة من أرض العراق. فتعلموا لغتهم والفصيح منها من سكان البراري منهم دون الحضر، ثم من سكان البراري من كان في أواسط بلادهم ومن أشدهم توحشًا وجفاء وأبعدهم إذعانًا وانقيادا، وهم قيس وتميم وأسد وطيء ثم هذيل، فإن هؤلاء هم معظم من نقل عنه لسان العرب. والباقون فلم يؤخذ عنهم شيء لأنهم كانوا في أطراف بلادهم مخالطين لغيرهم من الأمم مطبوعين على سرعة انقياد ألسنتهم لألفاظ سائر الأمم المطيفة بهم من الحبشة والهند والفرس والسريانيين وأهل الشام وأهل مصر"

 

قول لابن جني في الخصائص:  باب في ترك الأخذ عن أهل المدر كما أخذ عن أهل الوبر

علّة امتناع ذلك ما عرض للغات الحاضرة وأهل المدر من الاختلال والفساد والخطل. ولو عُلم أن أهل مدينة باقون على فصاحتهم ولم يعترض شيء من الفساد للغتهم لوجب الأخذ عنهم كما يؤخذ عن أهل الوبر. وكذلك أيضاً لو فشا في أهل الوبر ما شاع في لغة أهل المدر من اضطراب الألسنة وخبالها وانتقاض عادة الفصاحة وانتشارها لوجب رفض لغتها وترك تلقي ما يرد عنها.

ما يحتج به من الكلام:

القران الكريم:

 هو النص الصحيح المجمع على الاحتجاج به في اللغة والنحو والصرف وعلوم البلاغة وكل قراءاته حجة، فحتى القراءات الشاذة والأحاد حجة في اللغة لأن رواتها يحتج بكلامهم العادي فكيف بقراءاتهم التي اجتهدوا في ضبطها.

تعريف القراءات:

علم يعرف به اتفاق الناقلين لكتاب الله واختلافهم في اللغة والإعراب والحذف والإثبات والتحريك والإسكان والفصل والاتصال.

شروط القراءة المعروفة هي:

·       صحة السند للني صلى الله عليه وسلم.

·       موافقة رسم المصحف.

·       موافقة وجه من وجوه العربية.

إذا جوزنا إثبات اللغة بشعر مجهول فجواز إثباتها بالقرآن العظيم أولى، وكثيرا ما ترى النحويين متحيرين في تقرير الألفاظ الواردة في القرآن فإذا استشهدوا في تقريرها ببيت مجهول فرحوا به. 

المنهج السليم في ذلك أن يمعن النحاة في القراءة  الصحيحة السند فما خالف منها قواعدهم صححوا به تلك القواعد وراجعوا النظر فيها فذلك أعود على النحو بالخير، أما تحكيم القواعد الموضوعة  في القراءات الصحيحة التي نقلها العلماء الفصحاء فهذا عكس للمنطق السليم وقلب للأوضاع. 

قال السيوطي: أما القرآن فكل ما ورد أنه قرئ به جاز الاحتجاجُ به في العربية، سواء أكان متواترًا، أم آحادًا[3]، أم شاذًّا[4]
فاحتج على صحة قول من قال: إن (الله) أصله (لاه) بما قُرئ شاذًّا: (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ لَاهٌ وَفِي الْأَرْضِ لَاهٌ).

قول للشيخ سعيد الأفغاني:

"لم يتوفَّر لنص ما توفَّر للقرآن الكريم من تواتُر رواياته، وعناية العلماء بضبْطها وتحريرها متنًا وسندًا، وتدوينها وضبطها بالمشافهة عن أفواه العلماء الأثبات الفُصحاء من التابعين، عن الصحابة، عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو النص العربي الصحيح المتواتر الْمُجمَع على تلاوته بالطرق التي وصل إلينا بها في الأداء والحركات والسكنات، ولم تُعْنَ أُمةٌ بنصٍّ ما اعتناء المسلمين بنص قرآنهم".

لقد مهَّدتْ بحوث القراءات لكثير من الدراسات اللغوية والمسائل النحوية، فكان اختلاف اللفظ الواحد في الإعراب أو الحركات دافعًا لكثير من العلماء إلى الاجتهاد في الحصول على مخرج سليم يتَّفق والقراءة، ويتمشَّى مع سياق الآية.

منها أوجه إعراب:

﴿قَالُوٓاْ إِنۡ هَٰذَٰنِ لَسَٰحِرَٰنِ يُرِيدَانِ أَن يُخۡرِجَاكُم مِّنۡ أَرۡضِكُم بِسِحۡرِهِمَا وَيَذۡهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ ٱلۡمُثۡلَىٰ٦٣ [طه: 63]

 

القراءة

من قرأ بها

النون في إن

اسم الإشارة

(إنَّ هذينِ)

أبو عمرو بن العلاء

مشددة

بالياء ونونه مخففة

(إنْ هذانِّ)

قرأ بها ابن كثير

مخففة

بالألف ونونه مشددة

(إنْ هذانِ)

وقرأ بها حفص

مخففة

بالألف ونونه مخففة

(إنَّ هذانِ)

الجمهور كنافع وحمزة والكسائي وأبو جعفر

مشددة

بالألف ونونه مخففة

 

إن القرآن الكريم أصّل قواعد النحو لا شك في ذلك، وإذا وردت بعض الكلمات تُخالف المعهود في أسلوب النحو، فذلك لحكمة بالغة؛ منها: الاختصار، والتفنن في الأسلوب، ومنها: تنبيه الذهن للتأمل، والمعروف في قواعد البلاغة أن ما يُراد تنبيهُ السامع إليه من المفردات أو الجمل، يُميَّز على غيره؛ إما بتغيير نسَقِ الإعراب قصدًا إلى المعاني الثانوية، وإما برفع الصوت في الخطاب، أو غير ذلك.

﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ يَدُ ٱللَّهِ فَوۡقَ أَيۡدِيهِمۡۚ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفۡسِهِۦۖ وَمَنۡ أَوۡفَىٰ بِمَا عَٰهَدَ عَلَيۡهُ ٱللَّهَ فَسَيُؤۡتِيهِ أَجۡرًا عَظِيمٗا١٠ [الفتح: 10]

 

 

 

 

 

 

 

الاحتجاج بالحديث:

وصف الجاحظ كلام الرَّسول صلى الله عليه وسلم فقال: "هو الكلام الّذي قلَّ عدد حروفه، وكَثُرَ عدد معانيه، وَجَلَّ عن الصِّنعة، وَنُزِّهَ عن التّكلّف، فكيف وقد عاب التَّشديق، وجانب أهل التّقعيد، واستعمل المبسوط في موضع البسط، والمقصور في موضع القصر...، ولم يتكلم إلا بكلام قد حُفَّ بالعصمة، وَشُيِّدَ بالتّأييد، وَيُسِّرَ بالتّوفيق، ثمّ لم يسمع الناسُ كلامًا قطُّ أعمّ نفعًا، ولا أَقْصَدَ لفظًا، ولا أعدل وزنًا، ولا أجمل مذهبًا، ولا أَكْرَم مطلبًا، ولا أحسن موقعًا، ولا أسهل مَخْرَجًا، ولا أفصح معنى، ولا أبين عن فحواه من كلامه صلى الله عليه وسلم".

انقسم علماء العربيّة في مسألة الاحتجاج بالحديث على ثلاثة مذاهب:

الأول: مذهب المانعين مطلقًا:

وعلى رأسهم أبو الحسن بن الضائع الإشبيلي 680 ه، وتلميذه أبو حيان الأندلسيّ 754 ه على خلاف بين الباحثين المتأخّرين -؛ وذلك لأنَّ النّحاة الأوائل من "البصرة والكوفة" لم يحتجّوا بشيء منه، وأنّ الرّواة جوّزوا النّقل بالمعنى، وأنَّ كثيرًا من رواة الحديث كانوا غير عرب بالطبع، فوقع اللّحن في نقلهم.

الثاني: مذهب المجوزين مطلقًا:

وعلى رأسهم ابن مالك، ورضيّ الدّين الإستراباذي، وابن هشام الأنصاريّ، والبدر الدّمامينيّ، والأشمونيّ، والبغداديّ، وغيرهم كثير.

الثالث: مذهب المتوسّطين:

 تزعَّم هذا المذهب الإمام أبو إسحاق الشّاطبيّ، الّذي قسَّم الأحاديث الشّريفة على قسمين:

قسم يعتني ناقله بمعناه من دون لفظه، فهذا لم يقع به استشهاد من أهل اللّسان.

 قسم عُرِفَ اعتناء ناقله بلفظه لمقصود خاص؛ كالأحاديث الّتي قُصِدَ بها بيان فصاحته صلّى الله عليه وسلم، مثل: كتابه لوفد همدان، فهذا يصحُّ الاستشهاد به في أحكام اللّسان العربي.

 

ما يُتفق في الاحتجاج به من الأحاديث:


من الأحاديث ما لا ينبغي الاختلاف في الاحتجاج به في اللغة، وهو ستة أنواع:

أولها : ما يروى بقصد الاستدلال على كمال فصاحته عليه الصلاة والسلام، كقوله: حمي الوطيس، وقوله: مات حتف أنفه، وقوله: الظلم ظلمات يوم القيامة ... إلى نحو هذا من الأحاديث القصار المشتملة على شيء من محاسن البيان كقوله:مأزورات غير مأجورات، وقوله: إن الله لا يمل حتى تملوا.


ثانيها : ما يروى من الأقوال التي كان يتعبد بها أو أمر بالتعبد بها، كألفاظ القنوت والتحيات وكثير من الأذكار والأدعية التي
كان يدعو بها في أوقات خاصة.

ثالثها: ما يروى شاهدًا على أنه كان يخاطب كل قوم من العرب بلغتهم.

ومما هو ظا هر أن الرواة يقصدون في هذه الأنواع الثلاثة رواية الحديث بلفظه.

رابعها :الأحاديث التي وردت من طرق متعددة واتحدت ألفاظها؛ فإن اتحاد الألفاظ مع تعدد الطرق دليل على أن الرواة لم
يتصرفوا في ألفاظها.

والمراد أن تتعدد طرقها إلى النبي أو إلى الصحابة أو التابعين الذين ينطقون الكلام العربي فصيحا.

خامسها: الأحاديث التي دونها من نشأ في بيئة عربية لم ينتشر فيها فساد اللغة كمالك بن أنس، وعبد الملك بن جريج، والإمام الشافعي.

سادسها: ما عرف من حال رواته أنهم لا يجيزون رواية الحديث بالمعنى مثل ابن سيرين، والقاسم بن محمد، ورجاء بن
حيوة، وعلي بن المديني.

 

الاحتجاج بكلام العرب:

 سبق الحديث عنه بإسهاب.

رابط التحميل: 

https://www.facebook.com/groups/394910787823250/permalink/763655310948794

أرحب بأسئلتكم واستفساراتكم في التعليقات على الموقع الرسمي للدكتور جلول تهامي :

www.Lissane7.com

 

 



 [1]  عند ابن جني هي القياس والسماع والإجماع، وعند ابن الأنباري: نقل وقياس واستصحاب حال.

[2]  يُعَد الإمام الشافعي أول مَن صنَّف في هذا العِلم ، حيث ألف كتابه "الرسالة"،  وهو وإن لم يستوف كل أبواب الأصول وقواعده، لكنه أرسى مبادءها الأساسية، وتميزت كتاباته بالمنهجية وبالتجرد والموضوعية بعيدًا عن الهوى والنزعات الشخصية . وتوالى التأليف بعد ذلك.



[3] - القراءة التي تشتمل على الشروط الثلاث السابقة، ولم يصل تواترها إلى حدّ تفيد معه اتصالها بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

[4] - القراءة الشاذة هى التي فقدت شرطا من الشروط الثلاثة المذكورة أعلاه.

ليست هناك تعليقات