التسمية

اللّسَانُ السّابِعissane7L

آخر المنشورات:

النظريات اللسانية ذات المنحى الوظيفي:

النظريات اللسانية ذات المنحى الوظيفي: عرضنا فيما سبق المراحل التي مرت بها اللسانيات الغربية ابتداء من الفكر السوسيري وانتهاء إلى ما وصلت إليه النظرية التبليغية التواصلية، وهذه الثورات المتعاقبة في الدرس اللساني المعاصر وإن اختلفت مشاربها فهي تخرج من مشكاة واحدة هي فلسفة اللغة، ولعل أهم ما يدور البحث حوله في فلسفة اللغة "المعنى"، إذ ((ترجع أهمية المعنى وضرورة البحث فيه إلى أن لدى الفيلسوف والمنطقي رهطا من الأسئلة لا يستطيع تناولها دون أن تكون لديه فكرة واضحة عن المعنى، ومن أمثلة هذه الأسئلة: كيف يتعلم الأطفال معاني الكلمات؟ ما العلاقة بين اللفظ والمعنى؟ كيف تتغير معاني الكلمات حين تتطور اللغات؟ هل لاسم العلم معنى غير مسماه؟ هل لكل كلمة معنى واحد محدد أم لها عدة معان؟ وكيف ترتبط هذه المعاني المختلفة للكلمة الواحدة؟ كيف نميز بين العبارات أو الجمل التي لها معنى من تلك التي لا معنى لها؟...)) . من أجل ذلك كُتب على اللسانيين أن يقفوا على الرؤى الفلسفية لمختلف النظريات التي تناولت المعنى، فمثلا نجد دي سوسير في حديثه عن القيمة اللغوية يقول: (( وقد اتفق الفلاسفة وعلماء اللغة دائما على أنه لولا الإشارات لما استطعنا أن نميز تمييزا واضحا ثابتا بين فكرتين، فلولا اللغة أصبحت الفكرة شيئا مبهما)) . ويضيف موضحا شدة ارتباط اللغة بالفكر فيقول: (( إن الدور المميز للغة بالنسبة للفكر ليس وسيلة صوتية مادية للتعبير عن الأفكار بل القيام بوظيفة حلقة الوصل بين الفكر والصوت... كما يمكن تشبيه اللغة بورقة وجهها الفكرة وظهرها الصوت، لا يستطيع المرء أن يقطع الوجه من دون أن يقطع الظهر، وكذلك في اللغة لا يستطيع المرء فصل الصوت عن الفكر كما لا يستطيع فصل الفكر عن الصوت)) ، فالكلمات تشير إلى أفكار، والأفكار ليست إلا معان للكلمات. وغير بعيد عن هذا التصور وهذا التحليل يحاول لودفيك فتغنشتاين أن يحدد المعنى بالفصل بين التفكير واللاتفكير، فيجعل الإنسان يفكر على جانبي خط فاصل، فتصبح اللغة بذلك الوسيط الذي لا بديل منه في إدراك الكون أولا وفي التعبير عنه ووصفه ثانيا، فما هو منها يمثل المعنى وما يقع على الجانب الثاني يمثل اللامعنى ، لم يعد اللامعنى مرتبطا بالشكل المنطقي للقضية بل بالحالة النفسية التي يكون عليها المتكلم، عندما ينجز لعبة لغوية، ويضيف ((يمكن للغة المنطوقة أن تتجاوز حدود اللامعنى، بينما لا يمكن للصورة أن تفعل ذلك، إن لغة الكلام تبيح تركيبات الألفاظ التي لا معنى لها، لكن لغة التصور لا تبيح التصورات التي لا معنى لها)) . إن هذا التفكير الفلسفي دفع بالمدارس اللسانية إلى أن تتجاوز النظرية الإشارية للمعنى والتي يرى أصحابها ((أن كل قضية مؤلفة من أسماء وأن معنى الاسم هو مسماه ذاته)) ، لكن لوفيك فتغنشتاين أراد أن يبين خلاف هذا حين ضرب لنا المثال التالي: (( تمعن الآن أوجه المثلث باعتباره مثالا، يمكن أن نرى المثلث على أنه ثقب، على أنه جسم، على أنه رسم هندسي قائم على قاعدته، معلق من قمته، على أنه جبل، على أنه إسفين، على أنه سهم أو عقرب ساعة، على أنه جسم مقلوب لأنه مثلا يقوم في العادة على ضلعه الأقصر، وعلى أنه أشياء أخرى مختلفة)) . إن ارتباط اللغة بالمعنى هو ما يميزها عن غيرها من الأنظمة، فهذه الرؤى المختلفة للمعنى تولد عنها ما عرف في الوسط اللساني بــــــــ:"الاتجاهات الوظيفية" ففي كل مرحلة من مراحل تطور الدرس اللساني الغربي يظهر تيار لساني يتبنى دراسة اللغة من جانبها الوظيفي. ويمكن تقسيم النظريات اللسانية المعاصرة باعتبار تصورها لوظيفة اللغات الطبيعية إلى نظريات لسانية صورية تعتبر اللغات الطبيعية أنساقا مجردة يمكن وصفها بمعزل عن وظيفتها التواصلية، ونظريات لسانية وظيفية تعتبر اللغات الطبيعية بنيات تحدد خصائصها ظروف استعمالها في إطار وظيفتها الأساسية "التواصل" ، وفيما يأتي سنحاول أن نقدم هذه التيارات الوظيفية وتموضعها في مناهج البحث في اللغة بدءا من البنوية ومرورا بالتوليدية التحويلية وانتهاء بالتداولية حيث سيتركز اهتمامنا على نظرية النحو الوظيفي باعتبارها النظرية الوظيفية التداولية التي يتمحور حولها هذا البحث.

ليست هناك تعليقات