التسمية

اللّسَانُ السّابِعissane7L

آخر المنشورات:

مسار الدراسات اللغوية العربية وتطورها.


الجهود النحوية في بناء الأصول والأسس: ليس الهدف من هذا المدخل التأريخ للنحو أو اللغة، ولا الوقوف عند الروايات المختلفة حول واضعهما، أوعوامل نشأتهما، وإنما نود هنا أن نشير إلى حقيقة النحو العربي وموضعه من لغته بالتفاتة بسيطة إلى ظروف وعوامل نشأته. فقد خلف اللغويون العرب تراثا لغويا ضخما على ضوء ما جاء في لغة القرءان والحديث وأشعار العرب وأقوالهم، فألفوا في النحو والصرف وفي المعاجم والعروض...إلخ. لذا فإن الوقوف على الإرهاصات الأولى الأصيلة للتراث اللغوي العربي وإدراك معطياته المختلفة يعد رأس الأمر لكل محاولة جادة للنهوض بهذا التراث وقراءته قراءة تتماشى والمناهج الحديثة. معلوم أن علم النحو لم يكن معروفا عند العرب قبل الإسلام فقد نشأت لغتهم في أحضان الجزيرة العربية خالصة لأبنائها، ينطقونها عن سليقة جبلوا عليها، لسلامة فطرتهم وجودة قرائحهم، كما ساعدتهم عزلتهم عن الشعوب الأخرى من الفرس والروم، وكذا أيامهم وأسواقهم الكثيرة التي يعرضون فيها مناقبهم ومفاخرهم، ويقدمون فيها شعراءهم وخطباءهم. وبعد أن جاء الإسلام واختلطت الأجناس وتتابعت الفتوحات تسرب إلى العربية اللحن فاختلّت المعاني لاختلال شكل أواخر الكلم، ((ولم تزل العرب تنطق على سجيتها في صدر إسلامها، وماضي جاهليتها، حتى أظهر الله الإسلام على سائر الأديان، فدخل الناس فيه أفواجا، وأقبلوا إليه أرسالا، واجتمعت فيه الألسنة المتفرقة، واللغات المختلفة، ففشا الفساد في اللغة، واستبان منه الإعراب الذي هو حليها، والموضح لمعانيها)) . يقول أبو الطيب اللغوي في مراتب النحويين: ((واعلم أنّ أول ما اختل من كلام العرب فأحوج إلى التعلم الإعراب)) . وهناك ثلاثة عوامل مؤثرة في نشأة النحو العربي، العامل الديني والعامل القومي والعامل السياسي، لكن الأول هو أقواها وأكثرها دفعا نحو دراسة اللغة العربية دراسة منظمة لاستخراج قواعدها. فاللحن في القرآن هو الباعث الأول لنشأة النحو العربي، لأن الظاهرة لم يخل منها عصر من العصور، فبعد أن كان في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم قليلا نادرا أصبح في عهد بني أمية وما بعده شائعا متكررا لكثرة الموالي في البيئة العربية. ومن الروايات الواردة في اللحن: • أن رجلا لحن في حضرة الرسول صلى الله عليه و سلم فقال عليه الصلاة والسلام: ((أرشدوا أخاكم)) . • ومما روي عن أبي بكر رضي الله عنه قال: ((لأن أقرأ فأسقط أهون علي من أن أقرأ فألحن )) . • وفي عهد عمر رضي الله عنه ((كتب كاتب لأبي موسى الأشعري إلى عمر، وكتب(من أبو موسى) فكتب إليه عمر: سلام عليك، أما بعد فاضرب كاتبك سوطا واحدا، وأخر عطاءه سنة)) . • وفي العصر الأموي بلغ اللحن مبلغا كبيرا تجاوز الشكل والإعراب، حتى صاروا يَعدّون من لا يلحن. عن الأصمعي قال: ((أربعة لم يلحنوا في جد ولا هزل: الشعبي، وعبد الملك بن مروان، والحجاج بن يوسف، وابن القرية، والحجاج أفصحهم)) . • و في رواية عن عبد الملك بن مروان قيل له: ((أسرع إليك الشيب)) قال شيبني ارتقاء المنابر ومخافة اللحن. ليس بين أيدينا نص يقطع الشك باليقين في مسألة أولية النحو ومبتدئه، لكن أبرز اسم يتردد في الميدان هو اسم أبي الأسود الدؤلي الكناني وأكثر الناس على أنه هو الواضع له ظالم بن عمرو . قال محمد بن إسحاق: زعم أكثر العلماء أن النحو أخذ عن أبي الأسود الدؤلي، وأن أبا الأسود أخذ ذلك عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب . وفي طبقات النحويين واللغويين: ((أبو الأسود ظالم بن عمرو...وهو أول من أسس العربية ونهج سبلها، ووضع قياسها وذلك حين اضطرب كلام العرب)) . وكما تعددت الروايات حول واضع النحو تعددت الروايات أيضا حول سبب وضعه، وأول ما وضع منه، فمن النصوص التي تناولت نشأة النحو ما ذكره ابن سلام الجمحي: ((كان لأهل البصرة في العربية قدما، وبالنحو ولغات العرب والغريب عناية، وكان أول من استن العربية وفتح بابها، وأنهج سبيلها، أبو الأسود الدؤلي...وكان رجل أهل البصرة، وكان علوي الرأي...وإنما قال ذلك حيث اضطرب كلام العرب، فغلبت السليقة ولم تكن نحوية فكان سراة الناس يلحنون ووجوه الناس، فوضع باب الفاعل والمفعول به والمضاف وحروف الجر، والرفع والنصب والجزم)) . فينسب وضع النحو إلى أبي الأسود الدؤلي فهو أول من سطر في كتاب: ((الكلام اسم وفعل وحرف جاء لمعنى، فسئل عن ذلك فقال:دخلت على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه فرأيته مطرقا مفكرا، فقلت :فيم تفكر يا أمير المؤمنين؟ قال: إني سمعت ببلدكم هذا لحنا فأردت أن أضع كتابا في أصول العربية. فقلت:إن فعلت هذا أحييتنا وبقيت فينا هذه اللغة، ثم أتيته بعد ثلاث فألقى إليّ صحيفة فيها: بسم الله الرحمن الرحيم: الكلمة اسم وفعل وحرف فالاسم ما أنبأ عن مسمى، والفعل ما أنبأ عن حركة المسمى، والحرف ما أنبأ عن معنى ليس باسم ولا فعل ثم قال تتبعه وزد فيه ما وقع لك واعلم يا أبا الأسود أن الأشياء ثلاثة: ظاهر ومضمر وشيء ليس بظاهر ولا مضمر وإنما يتفاضل العلماء في معرفة ما ليس بظاهر ولا مضمر قال أبو الأسود فجمعت منه أشياء وعرضتها عليه فكان من ذلك حروف النصب فذكرت منها إن وأن ولعل وليت وكأن ولم أذكر لكن فقال لي لم تركتها فقلت لم أحسبها منها فقال بل هي منها فردها فيها)) . ويذكر ابن قتيبة أن ((أبا الأسود يعد في الشعراء والتابعين والمحدثين والبخلاء و المفاليج والعرج والنحويين لأنه أول من عمل كتابا في النحو بعد علي بن أبي طالب)) . وروي أن الذي أوجب عليه الوضع في النحو (( أن ابنته قعدت معه في يوم قائظ شديد الحر فأرادت التعجب من شدة الحر فقالت: ما أشدُّ الحر؟ فقال أبوها، القيظ وهو ما نحن فيه يا بنية، جوابا عن كلامها لأنه استفهام، فتحيرت وظهر لها خطؤها، فعلم أبو الأسود أنها أرادت التعجب، قال لها قولي يا بنية: ما أشدَّ الحرَّ، فعمل باب التعجب وباب الفاعل وباب المفعول به، وغيرها من الأبواب)) . وجاء في مراتب النحويين: ((ثم كان أول من رسم للناس النحو أبو الأسود الدؤلي...وكان أبو الأسود أخذ ذلك عن أمير المؤمنين علي عليه السلام لأنه سمع لحنا فقال لأبي الأسود اجعل للناس حروفا وأشار له إلى الرفع والنصب والجر)) . هذه الروايات وغيرها على اختلافها تتفق في أن أبا الأسود الدؤلي هو من وضع النحو أخذا عن علي بن أبي طالب لأن جل النصوص التي تناولت هذا الموضوع تجمع على هذا و أما سبب وضع النحو فيجمع القدماء على أنه اللحن الذي أصاب اللسان العربي. وهكذا كانت الخطوة الأولى من مسار النحو العربي على يد أبي الأسود الدؤلي وكان أول ما وضع نقط الإعراب، حيث اتخذ لذلك كاتبا من بني عبد قيس وقال له: ((إذا رأيتني قد فتحت شفتي بالحرف فانقط نقطة فوقه على أعلاه، وإن ضممت شفتي فانقط نقطة بين يدي الحرف، وإن كسرت شفتي فاجعل النقطة من تحت الحرف، فإن أتـبعت شيئا من ذلك غنة فاجعل مكان النقطة نقطتين، وابتدأ أبو الأسود المصحف حتى أتى على آخره، بينما كان الكاتب يضع النقط بصبغ يخالف لونه لون المداد الذي كتبت به الآيات)) وتبدأ هذه المرحلة بأبي الأسود الدؤلي(ت 69 هـ) وتمتد إلى عصر الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت 170هـ)، وقد استأثرت بهذه المرحلة مدينة البصرة دون الكوفة وذلك لانشغال الكوفة بالقراءات ورواية الأشعار الأخبار . وقد اعتمدت هذه المرحلة الأولى من حياة النحو العربي على طبقة من النحاة من أمثال: 
  نصر بن عاصم (ت 89 هـ). 
 عنبسة الفيل (ت 100 هـ). 
 ميمون الأقرن (ت 117 هـ). 
 عبد الرحمان بن هرمز (ت 117 هـ).
  يحيى بن يعمر (ت 129 ه).
وكلهم من القراء وكان يؤخذ عنهم نقط الإعراب ونقط الإعجام، واتسمت هذه المرحلة بالتركيز على القرآن والقراءات وما يلاحظ من اختلاف في إعراب الكلمات فاستلهموا نقط الإعجام وحركات الإعراب من خلال النقط الذي خلفه أبو الأسود، لكن الراجح أن هذه المرحلة لم تعرف أي نشاط نحوي نظري، وما نسب إلى أصحابها من بعض المسائل اللغوية في الإعراب والإقراء فهي ملحوظات ذهنية مبنية على السليقة اللغوية لا يمكن أن نطلق عليها أنها بحوث نحوية خالصة .
https://lissane7.blogspot.com/2019/12/blog-post_23.html

ليست هناك تعليقات