التسمية

اللّسَانُ السّابِعissane7L

آخر المنشورات:

السلسلة الأولى لتطبيقات مقياس اللغة العربية وعلم اللهجات "أولى ماستر" للموسم 2023/2024:

المستوى: أولى ماستر  لسانيات عربية   السداسي: 02.     المقياس: اللغة العربية وعلم اللهجات .     د. جلول تهامي.

السلسلة الأولى لتطبيقات مقياس اللغة العربية وعلم اللهجات  "أولى ماستر"  للموسم 2023/2024:

توطئة:

قول لأحمد بن فارس :

أجمع علماؤنا بكلام العرب، والرواة لأشعارهم، والعلماء بلغاتهم وأيامهم ومحالِّهم: أن قريشاً أفصح العرب ألسنةً، وأصفاهم لغة، وذلك أن الله سبحانه اختارهم من جميع العرب واصطفاهم، واختار منهم نبيَّه محمداً صلى الله عليه وسلم.

كانت قريش أجود العرب انتقاءاً للأفصح من الألفاظ، وأسهلها على اللسان عند النطق بها، وأحسنها مسموعاً، وأبينها إبانةً عمَّا في النفس.  والذين عنهم نقلت اللغة العربية، وبهم اقتُدِي، وعنهم أُخذ اللسان العربي -من بين قبائل العرب- هم: قيس، وتميم، وأسد، فإن هؤلاء هم الذين عنهم أكثر ما أُخذ ومُعظمه. وعليهم اتكل في الغريب، وفي الإعراب والتصريف، ثم هُذَيْل، وبعض كنانة، وبعض الطائِيِّينَ، ولم يؤخذ عن غيرهم من سائر قبائلهم.

أما قريش فلا ترى في كلامها:

عَنْعَنَةَ تميم: قلبهم الهمزة في بعض كلامهم عيناً.

ولا كَشْكَشَة أسد: إلحاق الشين بكاف المخاطبة أو جعل الشين مكان الكاف "منك= منش".

ولا كَسْكَسَةَ ربيعة: وهي أن يزيدوا بعد كاف المؤنثة سيناً فيقولون :أعطيتكس  بدلا من  أعطيتك.

ولا الكَسْرَ الذي تسمعه من أسد، وقيس مثل: يِعْلَمُون ونِعْلَم، ومثل: شِعير وبِعير؟. وتسمى التلتلة.

وبالجملة فإنه لم يؤخذ عن حضري ولا عن سكان البراري ممن كان يسكن أطرافَ بلادهم سائرُ الأمم الذين حولهم:

فلم يؤخذ عن لخم،ولا عن  جذام، ولا من قضاعة،ولا من غسان، ولا من إياد، ولا من ثغلب ولا من بكر، ولا من عبد قيس، ولا من أزد عمان، ولامن أهل اليمن لمخالطتهم الحبشة……إلخ.

هذا التصنيف حاز القبول وجرى عليه العمل وكان الخروج عليه مدعاة للنقد:

فلما اعتمد ابن مالك على لغات لخم وجذام  وغسان تعقبه باللوم أبو حيان في شرح التسهيل فقال: "ليس ذلك من عادة أئمة هذا الشأن".

وكان أبو عمرو بن العلاء يقول: لا أقول قالت العرب إلا ما سمعت من عالية السافلة وسافلة العالية يريد ما بين نجد وجبال الحجاز حيث قبائل أسد وتميم وبعض قبائل قيس.

وكان عثمان يقول: لا يملين في مصاحفنا إلا غلمان قريش وثقيف.

وأما أحوال هؤلاء العرب المحتج بكلامهم فخيرها ما كان أعمق في التبدي وألصق بعيشة البادية فمما يفخر به البصريون على الكوفيين أخذهم عن الأعراب أهل الشيح  والقيصوم وحرشة الضباب وأكلة اليرابيع  ويقولون للكوفيين أخذتم عن أكلة الشواريز وباعة الكواميخ.

 

أمثلة عن لغات العرب:

الاستنطاء:

وهو جعل العين الساكنة نونًا، فيقولون: أنطى بدلاً من أعطى.

 وقرئ قوله - تعالى -: ﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ [الكوثر: 1]، إنا أنطيناك الكوثر،

 وورد الحديث الشريف: ((اللهم لا مانع لما أنطَيْتَ، و لا منطي لما منعت))،

وورد كذلك في الحديث النبوي الشريف: ((اليد المُنْطِية خير من اليد السفلى)).

• إما أن يكون الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد تكلَّم بهذه اللهجة، مراعيًا لهجة مَن كان يخاطبه؛ لأنه - عليه الصلاة والسلام - كان يكلِّم الأقوام كلاًّ على لغته.

• وإما أن يكون الذي نقل هذا الحديث من أصحاب لهجة الاستنطاء، وروَى الحديث بلهجته، لا كما سمِعها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي كان يتكلَّم بلهجة قريش.

 

 الطمطمانية:

وهي إبدال لام التعريف ميمًا، فيقولون مثلاً: طاب امهواء، وصفا امجو، يَعْنون بذلك: طاب الهواء، وصفا الجو.

 ويروى أن رجلا جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بين صحابته، فقال له: يا رسول الله، أمِن امبر امصيام في امسفر؟ فردَّ عليه - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((ليس من امبر امصيام في امسفر))، فقال له صحابته - رضي الله عنهم -: يا رسول الله، ماذا قال لك، وماذا قلت له؟ فقال: قال: أمن البر الصيام في السفر؟ فأجبته: ليس من البر الصيام في السفر.

 

الفحفحة:

لهجة هُذَيل):وهي قلب الحاء عينًا في (حتى وكانت هذه اللهجة في مصحف عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - أحدِ القرَّاء الأربعة المشهورين؛ لأن عبدالله بن مسعود كان من قبيلة هُذَيل.

 

قول للفرابي:

"وأنت تتبين ذلك متى تأملت أمر العرب في هذه الأشياء. فإن فيهم سكان البراري وفيهم سكان الأمصار. وأكثر ما تشاغلوا بذلك من سنة تسعين إلى مائتين. وكان الذي تولى ذلك منهم من بين الأمصار أهل الكوفة والبصرة من أرض العراق. فتعلموا لغتهم والفصيح منها من سكان البراري منهم دون الحضر، ثم من سكان البراري من كان في أواسط بلادهم ومن أشدهم توحشًا وجفاء وأبعدهم إذعانًا وانقيادا، وهم قيس وتميم وأسد وطيء ثم هذيل، فإن هؤلاء هم معظم من نقل عنه لسان العرب. والباقون فلم يؤخذ عنهم شيء لأنهم كانوا في أطراف بلادهم مخالطين لغيرهم من الأمم مطبوعين على سرعة انقياد ألسنتهم لألفاظ سائر الأمم المطيفة بهم من الحبشة والهند والفرس والسريانيين وأهل الشام وأهل مصر".

ينعت سيبويه بعض الاستعمالات اللغوية ويطلق عليها أحكاما نوعية مرة مرتبطة بالضعف أو القوة أو الرداءة أو القبح، وأخرى كميّة كقوله بالكثرة أو القلّة... إلخ. وربما بهذه الأحكام يضع سلما معياريًا تتفاوت فيه لغة العرب من حيث الفصاحة: صعودا ونزولا، ومن ذلك:

اطراد استعمال سيبويه لحكم «هذا عربي جيّد»  أتراه يعني به اللغة الفصيحة ؟ أم أنه يطلقه على لهجة من لهجات العرب؟ خصوصا إذا علمنا أنه يقرنه مرة بحكم كميّ فيقول: «هو عربي جيّدٌ كثيرٌ » «لم يطلق سيبويه حكم (عربي) على الاستعمالات اللغويّة الكثيرة في لغة العرب، لأنها كثيرة وحسب، فالكثرة عنده شيء، والعربية شيء آخر، يدل ذلك على قوله : «فإذا ذكرتَ مفعولين كلاهما غائب، فقلت: أعطاهوها.

وأعطاهاه جاز، وهو عربي ولا عليك بأيّهما بدأت من قبل أنهما كلاهما غائب، وهذا أيضا ليس بالكثير في كلامهم، والأكثر في كلامهم أعطاه إياها»

وبناءً على هذا القول فالحكم على الكلام بأنه ( عربي ) يخالف الحكم عليه بأنه (كثير). فهل «الكثرة» أمارة على الفصيح من الكلام؟ أم أنها ليست معيارا للحكم على الكلام بأنه عربي فصيح، ومن ثّم يحق لنا أن نصنفه ضمن لائحة الكلام الدارج على ألسن المتكلمين، كما يحق لنا أن نسجل ضابطا مفاده: الكلام في مدونة سيبويه فيه نصيب عربي ليس بالكثير (وهو) المقابل للغة ونصيب عربي كثير، هو المستعمل المنتشر والمطّرد في كلام العرب، لا الجائز عند النحاة (وهو المقابل للظاهرة اللهجيّة عند العرب).

كما نجده مرة أخرى يُقرِنُ حكم ( عربي ) بالجودة أو القوة، يقول سيبويه:

 «زعموا أنّ: "كم درهما لك"  أقوى من: كم لك درهما. وإن كانت عربية جيدة»

وتأسيسا على هذا القول نفهم أن نعته التعبير بقوله: «عربي» أقل درجة في سلم الفصاحة من قوله «قوي»، وعليه فكل تعبير قوي عربي وليس كل تعبير عربي قويا، ومما يعضد هذا القول قول سيبويه في ظاهرة إدغام المثلين في موضع آخر من مدوّنته قوله:

 «ومما يدغم إذا كان الحرفان من مخرج واحد، وإذا تقارب المخرجان قولهم: يَطَّوَّعون في يتطوعون، ويذكرون في يتذكَّرون، ويسمعون في يتسمعون، والإدغام أقوى، إذا كان يكون في الانفصال. والبيان فيهما عربي حسن لأنهما متحركان»

وفي هذا الصدد نرى سيبويه ينتصر لمنطق اللغويين على حساب منطق النحويين، يقول الدكتور شكري عياد: «مِنَ الطريف أنَّ سيبويه يشير إلى «قياس النحويين» بهذا الاسم وكأنه يُخرج نفسه من زمرتهم حين يخالفون أصحاب اللغة، بل نجده يحتج لأصحاب اللغة (طبعا الفصحى الصافية)، مُبينا أن قياسهم - وإن لم يصرّحوا به - أسلم من قياس النحويين، وذلك في «باب إضمار المفعولين اللذين تعدى إليهما فعل الفاعل فيقول: إنَّ النّحويين أجازوا مثل « أعطاكني» أو» أعطاهوني... ثمّ يقول: إنَّه قبيح لا تكلم به العرب، ولكنّ النَّحويين «قاسوه» ويضيف «و إنَّما قبح عند العرب كراهية أن يبدأ المتكلّم في هذا الموضع بالأبعد قبل الأقرب» ".

 وهذا يجعلنا نتساءل ، ما الفرق بين ما تتكلم به العرب ؟ وما تستحسنه ؟ وما تستقبحه ؟

كما أن سيبويه يستعمل ألفاظا وتعابير من قبيل: «سمعت بعض العرب» و «قال بعض العرب»3 و«سمعنا من العرب» و«أهل الجفاء من العرب». ومثل هذا في مدونته كثير. فهل كان يقصد بذلك من يتكلّم لهجة محددة ومعيّنة؟ سيما وأنه غالبا ما يكرر قوله: (ومن العرب)، كأن كلام العرب أصناف وأنماط فيه عربي وعربي كثير ، وعربي أكثر ، وعربي قوي وعربي أقوى، وعربي جيد، وعربي أجود، وعربي حسن وعربي أحسن وعربي قياسي، وعربي أقيس.

الفوارق المعتبرة الموجودة بين اللغة واللهجة عموما وعند سيبويه خاصة:

    ü            اللغة أصل يمثل نظاما عاما ونسقا كليًا لكل الألسن البشريّة في مقابل اللهجة الدارجة العامية التي هي فرع خاص بطريقة الأداء اللغوي عند أصحاب عشيرة لغوية معينة.

    ü            اللغة معيار من القواعد المستعملة في الخطابات الرسمية المكتوبة والمنطوقة، في مقابل اللسان الدارج الموظف في التداول الشعبي المنطوق - غالبا - بين عموم المتكلمين. الخ

    ü            تشير اللغة إلى معاني الوحدة والضبط والصرامة، بخلاف اللهجة التي ترمز إلى التعدد والاختلاف والخروج أو الانحراف عن النظام اللغوي في كثير من السياقات وعلى مستويات لغوية عدة: صوتا وصرفا وتركيبا ودلالة.

 

ليست هناك تعليقات