التسمية

اللّسَانُ السّابِعissane7L

آخر المنشورات:

السلسلة الأولى لتطبيقات مقياس علم الدلالة "ثانية ماستر د. لغوية" للموسم 2024/2025:

 

المستوى: ثانيةماستر د. لغوية.    السداسي: 03.     المقياس: علم الدلالة  "تطبيقات".             د. جلول تهامي.

 

السلسلة الأولى لتطبيقات مقياس علم الدلالة  "ثانية ماستر د. لغوية"  للموسم 2024/2025:

i.             مدخل إلى علم الدلالة:

تمهيد: نبذة عن علوم اللغة، الظاهرة اللغوية.

الحديث عن الدلالة يقود إلى الحديث عن اللغة، لأن الدلالة اللغوية هي الأهم و الأوسع و الأكثر تعقيدا و هي الموضوع الأساسي في علم الدلالة بالإضافة إلى الإشارة إلى أنواع الدلالات الأخرى[1].

من جملة الآراء التي أوْردها العلماء حول اللغة: نشأة اللغة، وعلاقة اللفظ بالمعنى.

لليونان أثرهم البيِّن في بلورة مفاهيمَ لها صلة وثيقة بعلم الدلالة، فلقد حاور أفلاطون أستاذه سقراط حول موضوع العلاقة بين اللفظ ومعناه، وكان أفلاطون يميل إلى القول بالعلاقة الطبيعية بين الدالِّ ومدلوله، وأما أرسطو، فكان يقول باصطلاحية العلاقة.

جاء في القرآن الكريم:

﴿خَلَقَ ٱلۡإِنسَٰنَ٣ عَلَّمَهُ ٱلۡبَيَانَ٤ [الرحمن: 3-4]. عنى به الكلام: أي أن الله عزّ وجلّ علم الإنسان البيان.

معنى ذلك: أن الله علَّم الإنسان ما به الحاجة إليه من أمر دينه ودنياه من الحلال والحرام، والمعايش والمنطق، وغير ذلك مما به الحاجة إليه.

﴿وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلۡأَسۡمَآءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمۡ عَلَى ٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ فَقَالَ أَنۢبِ‍ُٔونِي بِأَسۡمَآءِ هَٰٓؤُلَآءِ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ٣١ [البقرة: 31]

العرب، خصص العرب للبحوث اللغوية حيزًا واسعًا في إنتاجهم الموسوعي الذي يضمُّ المنطق والفلسفة وعلومًا لغوية مسَّت كلَّ جوانب الفكر عندهم، سواء تعلَّق الأمر ب:

o      العلوم الشرعية: كأصول الفقه والفقه والحديث والتفسير.

o      أو علوم العربية: كالنحو والصَّرف والبلاغة.

 ولذلك تفاعلت الدراسات اللغوية مع الدراسات الفقهية، وبنى اللغويون أحكامَهم على أصول دراسة القرآن والحديث والقراءات، وقالوا في أمور اللغة بالسماع والقياس، والإجماع والاستصحاب[2]، تمامًا كما فعَل الفقهاء في معالَجة علوم الدين. ولَمَّا كانت علوم الدين تهدف إلى استنباط الأحكام الفقهية ووَضْع القواعد الأصولية للفقه، اهتم العلماءُ بدلالة الألفاظ والتراكيب، وتوسَّعوا في فَهْم معاني القرآن والحديث، واحتاج ذلك منهم إلى وَضْع أسسٍ نظرية؛ فالأبحاث الدلالية في الفكر العربي التراثي لا يمكن حصرُها في حقل معين من الإنتاج الفكري، بل هي تتوزَّع لتشمل مساحةً شاسعة من العلوم، يتحاور فيها المنطق وعلوم المناظرة وأصول الفقه والتفسير والنقد[3] الأدبي والبيان.

تنبَّه اللغويون القدماء إلى البحثُ في دلالات كلمات اللغة العربية، دليل ذلك الأعمالُ العِلمية المبكِّرة عندهم، كضبطُ المصحف بالشكل؛ فتغيير ضبط الكلمة يؤدي إلى تغيير وظيفتها، وهذا يترتبُ عليه تغييرٌ  في معناها، كما أن البحث في علوم العربية لازمٌ في فَهْم الكتاب والسنَّة، ولقي الدرسُ الدلالي اهتمامًا بالغًا منذ بداية البحث اللغوي عند العرب؛ لأهميته في معرفة دلالات الألفاظ.

﴿وَفَٰكِهَةٗ وَأَبّٗا٣١ [عبس: 31]

سُئِلَ أبو بكر الصديق  عن قوله تعالىوَفَاكِهَةً وَأَبّاً فقال: أيّ سماء تظلني، وأيّ أرض تقلني إن قلتُ في كتاب الله ما لا أعلم.

﴿إِنَّكُمۡ وَمَا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمۡ لَهَا وَٰرِدُونَ٩٨ [الأنبياء: 98]

معنى الآية: ( إنكم ) أيها المشركونوما تعبدون من دون الله ) يعني الأصنامحصب جهنم ) أي : وقودها وقال مجاهد وقتادة: حطبها والحصب في لغة أهل اليمن: الحطب وقال عكرمة: هو الحطب بلغة الحبشة .

قال الضحاك: يعني يرمون بهم في النار كما يرمى بالحصباء وأصل الحصب الرمي قال الله عز وجلأرسلنا عليهم حاصبا أي ريحا ترميهم بحجارة وقرأ علي بن أبي طالب : حطب جهنم أنتم لها واردون  أي فيها داخلون

الموبق: وَبَق الرجلُ يَبِقُ وَبْقًا ووبُوقًا ووَبِقَ وَبْقًا واسْتَوْبَق؛ أي (هلك)، وقال الفراء: (أَوْبَقَتْ فلانًا ذنوبه أي أهلكته

﴿وَيَوۡمَ يَقُولُ نَادُواْ شُرَكَآءِيَ ٱلَّذِينَ زَعَمۡتُمۡ فَدَعَوۡهُمۡ فَلَمۡ يَسۡتَجِيبُواْ لَهُمۡ وَجَعَلۡنَا بَيۡنَهُم مَّوۡبِقٗا٥٢﴾ [الكهف: 52]

واللغة في نهاية الأمر تجسيد لعلاقة بين صورة صوتية" ألفاظ" وصورة ذهنية "معان"، فسواء نشأت اللغة ابتداء في صورتها المكتملة أو كانت قفزة نوعية في طرائق الاستدلال و التواصل فهي تعتمد على ربط العلاقة بين الدال والمدلول. فكان علم الدلالة مرتبطا بمجموعة من العلوم ومناط اهتمام كثير من الاختصاصات فاهتم به اللغويون والمناطقة والأصوليون وحتى علماء النفس.

إذن علم الدلالة "علم يبحث في الدلالة اللغوية،والتي يلتزم فيها حدود النظام اللغوي والعلامات اللغوية، دون سواها" ومجاله دراسة المعنى اللغوي على صعيد المفردات والتراكيب، وإن كان المفهوم السائد هو اقتصار علم الدلالة على دراسة دلالات الألفاظ وتطورها لكونها أكثر العناصر اللغوية قابلية للتغـّير في اللغات الإنسانية؛ بحيث" لا تستقرّ على حال؛ لأنها تتبع الظروف ،فكل متكلم يكوّن مفرداته من أول حياته إلى آخرها بمداومته على الاستعارة ممن يحيطون به؛ فالإنسان يزيد من مفرداته، ولكنه ينقص منها أيضا ويغير الكلمات في حركة دائمة من الدخول والخروج." ويعدّ هذا مقدمة للبحث في المفردات ودلالاتها في اللغة عـامة. وتعبّر كل نظرية في هذا البحث عن هذا المضمون في زاوية مناسبة، فالذين يعنون بالجوانب النظرية فيه يضمنونه نظرية المعنى والعلاقة بين اللفظ و المعنى والدال والمدلول والرمز والشيء، والذين يعنون بجوانبه التطبيقية الحديثة يلمّـون فيه بعناصر التطور.

علم الدلالة يشمل فروعا من البحث اللغوي:

o      منها ما يمت بصلة إلى تقنية صناعة المعاجم أو علم صناعة المعاجم [4](Lexicographie ) .

o      و منها ما يتعلّق بالبحث في معاني الكلمات، ومصادر هذه المعاني واختلافها في اللغة باختلاف العصور، ويسمّى هذا الفرع بعلم المفردات أو التأصيل الاشتقاقي (Etymologie ) الذي يعدّ تطبيقاً خاصّاً للمبادئ التي تربط بين الحقـائق التزامنية(Synchroniques) التطورية (Diachroniques) إلاّ أنّه يرجع إلى تاريخ الكلمات ليجد ما يفسّرُها.

o      كما يشمل علم تصنيف المفردات، وهو العلم الذي يبحث في إرساء المبادئ والأصول للدراسة المعجمية ولطرائقها، وعلم المصطلح(Néologie)  والمصطلحية ( Terminologie )..

o      كما أنّ من غايات علم الدلالة البحث في الاشتقاق، والتصريف، والأبنية وتغيّرها بتغيّر المعنى وهو المسمى بعلم الأبنية (Morphologie)؛ والبحث في أقسام الكلمات، وأنواع كلّ قسم ووظيفته الدلالية، وأجزاء الجملة وترتيبها، وأثر كلّ جزء منها في الآخر وهو المسمّى علم التنظيم (Syntaxe).

o      البحث في أساليب اللغة، واختلافها باختلاف نصوصها وعصورها والناطقين بها، وتطوّر هذه الأساليب وقوانين تطورهاوهو علم الأساليب (Stylistique)..

يقول الدكتور عبد الرحمن الحاج صالح:

" اللسان في حد ذاته نظام من الدلالة المتواضع عليها، فاللسان على هذا الاعتبار ليس مجموعة من الألفاظ يعثر عليها المتكلم في القواميس أو يلتقطها بسمعه من الخطابات ثم يسجلها في حافظته، كما أنه ليس أيضا مجموعة من التحديدات الفلسفية للاسم والفعل والحرف أو القواعد المسهبة الكثيرة الشواذ، بل هو نظام من الوحدات يتواصل بعضها ببعض على شكل عجيب وتتقابل فيها بناها في المستوى الواحد التقابل الذي لولاه لما كانت هناك دلالة".

حلل النص:

التحليل:

§       نظام: أي مجموعة من العناصر اللغوية التي ترتبط بعضها مع بعض وفق علاقات معينة.

§       يتواصل بعضها ببعض: أي وجود تلك العلاقات المبنية على أساس الائتلاف والاختلاف.

 تهتم اللسانيات بنظام دلالي خاص، هو النظام اللغوي ووحداته هي الأدلة اللغوية، جمع الدليل اللغوي، ويدرسها علم الدلالة la sémantique  الذي هو فرع من اللسانيات .

لكن تتنوع الدلالة في المجتمع إذ نجد الدلالة اللغوية وغير اللغوية حيث تنتظم كلها في نظم دلالية خاصة. والعلم الذي يهتم بها جميعا هو علم العلامة أو ما يعرف بالسميولوجيا. la sémiologie.

إن كلمة دليل تعني عموما أن العنصر  "أ"  يدل على العنصر  "ب"  لكن نميز هنا بين الدليل والمؤشر والرمز ونميز بينها بوجودالنية في التبليغ وعدم وجودها .

فنمثل للمؤشر بـ : أعراض المرض  كضعف الجسم الذي يمكن أن يدل على نقص في التغذية.

                     الدخان الذي يدل على اشتعال النار.

فهذه مؤشرات طبيعية تدل على معان معينة دون أن تكون هناك نية للتبليغ.

ونمثل للدليل  بـ : الراية الحمراء التي تدل على منع السباحة. إشارات المرور.

ونمثل للرمز بـ :  الميزان الذي يدل على مفهوم العدل.

يشترك الدليل والرمز في كونهما يحملان نية للتبليغ، لكنهما يختلفان في نوعية العلاقة التي تربط بين العنصرين  "أ " و " ب "  فالرمز مرتبط كثيرا بشكله واختياره ليس عشوائيا ولا اعتباطيا بل وفق ما يحمله ذلك  الشكل من معنى.

 

لولاه ما كانت هناك دلالة:  تتم الدلالة بالاتفاق والتواضع والاصطلاح  بين الناس لتحقيق غرض التبليغ، والعلاقة التي تربط العنصرين "أ" و "ب" كمكونات الدليل في هذه الحالة، علاقة غير حتمية، عشوائية،اعتباطية ناتجة عن الاتفاق والتواضع والاصطلاح  فلا توجد بين كلمة"قلم" ومعناه أية علاقة طبيعية  كما لا توجد أية علقة طبيعية بين اللون الأحمر والأمر بالوقوف في إشارات المرور.

فنقول إذن إن علم الدلالة يدرس المعاني اللغوية وعلاقة الألفاظ بمعانيها ووحدته هي الدليل اللغوي وهو أصوات يستعملها الإنسان للإبانة عن المفاهيم والأشياء.



[1] يعرف الأخرص غيره ما في ضميره.

[2] الاستصحابُ هو قاعدة أصوليةٌ في الفقه والنحو، فعند عدم وجود دليل شرعي على مسألة ما يُستصحب الأصل، وفي النحو إذا انعدم الدليل السماعي أو القياسي على مسألة ما، فيبقى حال اللفظ على ما يستحقه في الأصل؛ أي: يستصحب أصل الوضع.

[3]تعامل المعاصرين مع النص  المقدس.

[4]  الشرح والتعريف.

ليست هناك تعليقات