التسمية

اللّسَانُ السّابِعissane7L

آخر المنشورات:

جهود إبراهيم أنيس في علم العروض الجزء الثاني

الملاحَظ أنّ "إبراهيم أنيس"أسقطَ كلاً من بحر الهزج ، والوافر ، والكامل بدعوى" أنّ هذه البُحور الثّلاثة تجمعها تلك الظّاهرة قليلة الشُّيُوع في البُحور الأخرى ، وهي أنّها تشتمل في توالي مقاطعها على مقطعين قصيرين متواليين،الأمر الذي يندُر أن نراه في الأوزان الأخرى. على أنّه حتّى في هذه الأوزان الثّلاثة نراها آخر الأمر تعود إلى تلك القواعد التي وضعناها لعشرة أبحر الأخرى " ( ). إلى هنا تبدو نظريَّة " إبراهيم أنيس " قد اتّضَحَت معالمُها إضافةً إلى سرد التّغييرات التي تُصيب التّفعيلات التي جاء بها . فكما سرد علينا الأوزان المُستعملة في بحور الشّعر سرداً مع بعض المخالفات اليسيرة يسرد أيضاً التّغييرات التي تُصيب التّفعيلات التي جاء بها . أما وقد بيّنا آنفاً معنى المقاطع فإنّ القول بتوالي مقطعين قصيرين متواليين إن صحَّ في الكامل فلا يصحُّ في الهزج ، فليس في تفعيلة (مفاعيلن) مقطعان قصيران متتاليان، إضافةً إلى أنّ هذه النّظريَّة معياريَّة قسريَّة بحتة، وإلاّ فما علاقة وجود مقطعين قصيرين متواليين في تفعيلة بعدم انتظامها في القاعدة ؟ بهذه الحجَّة الواهية أقصى "إبراهيم أنيس" ( الكامل والوافر والهزج ). لكن ماذا عن الأشعار الهائلة في التّراث العربي التي نظمت على هذه الأبحر الثّلاثة، لكن " أنيس" يُبرّر هذا بقوله: "فإذا نحن انثنينا على الأبحُر الثّلاثة وهي ( الكامل والوافر والهزج ) وجدنا أنّها تنتمي آخر الأمر إلى نفس التّفعيلات التي استنبطناها هنا ، انظر مثلاً إل تفعيلة بحر الكامل كما ذكرها أهل العروض تجدها ( مُتَفَاعِلُنْ ) وتجد أنّها تصير في غالب الأحيان ( مُسْتَفْعِلُنْ ) كذلك حين يفكّر في تفعيلة بحر الوافر ( مُفَاعَلَتُنْ ) نجد أنّها تصير في غالب الأحيان ( مُفَاعَلْتُنْ ) وهذه هي نفس التّفعيلة ( فعولاتُن ) أمّا الهزج فهو شبيه بمجزوء الوافر ويُمكن أن نذكُر له الوزن الآتي : فعولاتُن فعولاتُن " ( ) . لكنّ هذا القول مردود عليه، فتفعيلة الكامل متفاعلن لا تؤول في أغلب الأحيان إلى (مستفعلن) بل في بعض الأحيان فقط. إنّ عمل " إبراهيم أنيس " هذا محاولة للجمع بين المُعطيات الصَّوتيَّة والدّراسات الاستشراقيَّة لكنّه لم يصل إلى شيء ملموس، ودراسته هذه عجزَت عن تقديم الأُسُس العلميَّة التي سبق وأن طالَبَ الخليل بها . وإقصاؤه للوتد المفروق في التّفعيلتين "مستفعِ لُن" و "فاعِ لاتُن" لا يمتُّ للعلميَّة بصلة، فالتّطابُق الصَّوتي ورادٌ، ولا جدال فيه سواءٌ من ناحية السَّواكن والمتحرّكات، أم من ناحية المقاطع الصَّوتيَّة فالتّطابُق في النُّطق موجود لكن التّركيب مُختلف. فهذا الوضع أشبَهُ ما يكون بتطابُق العبارتين: أراقَ دمي . أرى قدَمي . فالاتّفاق الصَّوتي واضح ولكنّ العلاقات التّركيبيَّة تختلف. ثمّ إنّ مُنطلق الخليل هو الأسباب والأوتاد، وليس المحاكاة الصَّوتيَّة . ويذهب "إبراهيم" في مقام آخر إلى أنّ الخليل افترض أصولاً تطوّرت، وصارت إلى ما رُوي من الأشعار، وهذا الكلام ناكبٌ عن الصحَّة. فالخليل أعطى للبيت نموذجاً على المستوى الافتراضي النّظري أي في الدَّائرة، وحصر التّغييرات اللازمة التي تُحقّق بيت الشّعر في الاستعمال، فالبيت الشّعري ذو وجهين محقّق ونموذجي" ( ). فكلّ بيت من أبيات الشّعر خاضع لنموذج حتّى قبل اختراع العروض، وذلك لأنّ الشّعراء لم يكونوا يعرفون قبل الخليل العروض، ولكن هذا لم يمنعهم من أن يكتبوا كلاماً موزوناً لا يحتوي على حرف ناقص أو زائد أو في غير محلّه، إنّهم يتبعون بالسّليقة نموذجاً باطنياً، فشأنهم بالنّسبة للإيقاع شأن النّاطقين باللغة الذين يُصرّفون الكلمات، ويُركّبون الجُمل دون معرفة النّحو والصَّرف في غالب الأحيان ( ). إذن فالأصل والفرع الذي جاء في كلام "إبراهيم أنيس" هو في الواقع البيت النّموذجي والمحقّق، وليس الأصل والفرع كما تصوّر هو. وفي تعريف مُقتضب للبيت المحقّق يرى "مصطفى حركات" أنّه سلسلة من السَّواكن والمتحرّكات المرفقة به، أي النّاتجة عن المرحلة الأولى من التّقطيع" ( ). أمّا نموذج البيت فوظيفته الأساسيَّة هي أن يحدّد لنا الأوزان المُستعملة ، ومن هنا فإنّ الاكتفاء بذكر وزن البحر لا يكفي، بل من اللازم أن تحدّد العلاقات التي تربط بين وزن النّموذج و"التّحقيقات المختلفة، هذه العلاقات هي العروض العربي، والتّحويلات التي تسمّى زحافات وعلل " ( ). ونعتقد أنّه لا تُوجد أكثر من هذه الدقّة والأُسُس العلميَّة التي تساءَلَ عنها "إبراهيم أنيس" كما سبق وأن أشَرنا. فالرّبط بين المُستوى الافتراضي والاستعمال في الواقع الشّعري بهذه التّغييرات التي تحكمها ضوابط دقيقة ومفصّلة، أقرب في العلميّة بكثير من سرد الأوزان، وسرد التّغييرات التي نعتقد أنّها قمَّة القسريَّة والتعسُّف المعياري بالمفهوم اللساني . إنّ اختيار رمز من الرّموز ليدلّ على شيء من الأشياء إنّما هو مسألة اختيار مطلق ما دام واضع الرّمز يُبيّن بما لا يحتمل الغُموض، أيّ معنىً أو فكرة أو شيء يقصد من استعمال هذا الرّمز، وذلك هو المقصود من " تحديد الرّمز " فيستطيع المرء أن يستخدم رمزاً قديماً بمعناه التّقليدي، أو يدخل عليه بعض التّعديل في الشَّكل والدّلالة أو يخلق رموزاً خاصَّةً طالما التزَمَ ببيان دلالتها قبل الاستعمال( ). بعد أن ردَّ "إبراهيم أنيس" أوزان الشّعر العربي إلى ستَّة تفاعيل حاول فيما بعد أن يجعل لها أصلاً واحداً هو التّفعيلة "فاعلاتُن" وهذا الأمر في رأيه أجدى من إرجاع جميع دوائر العروض إلى دائرة واحدة، فبعد تأمّل عميق أرجع كلّ التّفاعيل مع المشهور من زحافاتها وعللها إلى تفعيلة واحدة هي "فاعلاتُن" ويُعلّل هذا الأمر بأنّها تفعيلة اكتسبت حبَّ الشُّعراء المُحدثين في البحر الخفيف والرَّمَل، إضافة إلى أنّها تتّسم بالموسيقيَّة المُطربة كونها تفعيلة راقصة. أمّا التّغييرات التي تلزمها فقد حصرها في : التّقديم، والتأخير، والتّقصير، والحذف، والسّبق، والإلحاق. وهذه التّغييرات لا تختصُّ بالسّاكن أو المُتحرّك ولا تختصُّ بالأسباب ولا بالأوتاد، وإنّما آثر فيها الاتّجاه الصّوتي التّغييرات مخصوصة بالمقاطع الصَّوتيَّة ( ) . أ – ما يُصيب المقطع الأوّل : فاعلاتُن: ص ح ح . ص ح . ص ح ح . ص ح ص ( أصل التّفاعيل ) . 01 – بالحذف: حذف المقطع الأوّل : ص ح . ص ح ح . ص ح ص ( فعولن ) . 02 – بالتّقصير: تحويل المقطع الطّويل إلى قصير: ( ص ح . ص ح . ص ح ح . ص ح ص ) ( فعلاتن ) . 03 – بالتّأخير : تأخير المقطع الأوّل : ص ح . ص ح ح . ص ح ص . ص ح ح ( مفاعيلن ) . ب – ما يُصيب المقطع الأخير : فاعلاتن = ص ح ح . ص ح . ص ح ح . ص ح ص . 01 – الحذف : حذف المقطع الأخير : ص ح ح . ص ح . ص ح ح ( فاعلن ) . 02 – التّقصير : حذف الصّامت الثاني للمقطع الأخير : ص ح ح . ص ح . ص ح ح . ص ح ( مَفْعُلاَتُ ) . 03 – التّقديم : نقل المقطع الأخير إلى الأوّل : ص ح ص . ص ح ح . ص ح . ص ح ح ( مستفعلن ) . ج – تغييرات أخرى : فاعلاتن : ص ح ح . ص ح . ص ح ح . ص ح ص . 01 – الحذف:حذف المقطع الثّاني:ص ح ح. ص ح ح . ص ح ص ( مُسْتَفْعِلْ ) و( مُتْفَاعِلْ ) . 02 – التّقصير : تقصير المقطع الثّالث : ص ح ح . ص ح . ص ح . ص ح ص ( مُسْتَعِلُنْ ) . 03 – السّبق : سبق المقطع الأوّل بمقطع ( ص ح ) وتقصير المقطع الثّالث مع فرض المقطع المضاف ( ق ) ص ح . ص ح ح . ص ح . ص ح . ص ح ص . ( قُفَاعِلَتُنْ ) . هذه التّفعيلة هي ( مُفَاعلَتُنْ ) التي تزاحف إلى ( مُفَاعَلْتُنْ ) . 04 – الإلحاق : إلحاق التّفعيلة ( فاعلاتن ) في نهايتها بمقطع ( قر ) مع تقصير مقطعها الأوّل ( فا ) ومقطعها الرّابع : ص ح . ص ح . ص ح ح . ص ح . ص ح ص . لتُصبح ( فَعِلاَتُ قِرْ ) تساوي تفعيلة الكامل ( متفاعلُن ) المزاحفة إلى ( مستفعلن ) . الجزء الثالث:http://gslink.co/fXWZ

ليست هناك تعليقات