التسمية

اللّسَانُ السّابِعissane7L

آخر المنشورات:

المبادئ العامة للنحو الوظيفي:


إذا أردنا تحديد الحيز الزماني والمكاني للمنهج الوظيفي فإن صفوة القول أنه نشأ مع مجموعة من الباحثين بجامعة "أمستردام" يترأسهم الباحث اللساني "سيمون ديك"، الذي قدّم الرؤية الأولية أو الصياغة العامة للنحو الوظيفي سنة 1978م، حين وضع أسسا للنحو كما تصوره، وقدّم الهيكلة العامة لترتيب وتبويب مكوناته، ولهذه النظرية النحوية نماذج كثيرة توالت وتعاقبت لأنها نظرية لم تنضج بعد واكتسبت من الطراوة ما جعلها تستجيب لشروط البحث العلمي والتنظير.[1]
ولم تبق هذه النظرية حبيسة موطنها ومكان نشأتها "أمستردام"وإنما انتقلت مفاهيمها إلى أوربا حيث احتضنتها عواصم أخرى كبلجيكا، وإسبانيا، وغيرها...، أما في عالمنا العربي فقد دخلت المغرب العربي على يد الباحث أحمد المتوكل الذي يقول: ((دخلت هذه النظرية العالم العربي أول ما دخلت عبر جامعة محمد الخامس بالرباط حيث شكلت مجموعة البحث في التداوليات واللسانيات الوظيفية، وبفضل جهود الباحثين المغاربة المنتمين إلى هذه المجموعة تسنى للمنحى الوظيفي أن يأخذ محله في البحث اللساني المغربي إلى جانب مكوناته الأخرى، وقد تم ذلك عن أربع طرق رئيسية هي التدريس والبحث الأكاديمي والنشر وعقد ندوات دولية داخل المغرب نفسه)).[2]
وأهم ما ساهم في هذا الانتشار الواسع لنظرية النحو الوظيفي هو عدم اكتفائها بوصف القدرة التواصلية، وإنّما مجاوزتها لكفاية الوصف -الذي لم تستطع أن تتعداه الدراسة البنوية التصنيفية والتوزيعية- إلى كفاية التفسير التي تحصل حين ترتبط دراسة اللغات بثلاثة أمور أساسية هي: [3]
ü                قدرة المتكلم السامع.
ü                اكتساب اللغة.
ü                النحو الكلي.
بمعنى أن جوهر الدراسة الوظيفية هو الأخذ في الحسبان الطاقات والمعارف المتعددة لمستعمل اللغة إلى جانب طاقته ومعرفته اللغوية، فالناطقون باللسان الواحد يتواصلون فيما بينهم بخطابات، لكن القدرة التواصلية المتكاملة ناجمة عن مجموع مهارات أو ملكات هي الملكات اللغوية أولا، ثم الإدراكية، والمنطقية، والمعرفية والاجتماعية... وغيرها، ولا يمكن أن نصل بالنظرية التواصلية إلى حدّ التكامل والكفاية والشمول بدون رصد هذه الملكات كلَّها.
فالملكة اللغوية هي التي تمكّن مستعمل اللغة من إنتاج عدد لا متناه من الجمل في مقامات تواصلية متعددة لمعرفته بلغته معرفة معجمية، وصوتية، وأخرى صرفية ورابعة أخرى تركيبية، وهي أساس عملية التواصل اللغوي أما غيرها من المهارات أو الكفاءات فتحضر عند الحاجة إليها:[4]
-                  الملكة الاجتماعية: هي التي تمكّن مستعمل اللغة من ضبط وضع مخاطبه الاجتماعي، وما يقوم بينهما من علاقات أثناء التواصل.
-                  والملكة المنطقية: هي التي تمكّن مستعمل اللغة من اشتقاق معارف إضافية من معارف متوفرة لديه بواسطة قواعد الاستدلال.
-                  والملكة الإدراكية: هي التي تمكّن مستعمل اللغة من استخدام المعارف التي يستقيها من مواقف التواصل ذاته في إنتاج العبارات والجمل اللغوية، وفي فهمها.
-                  أما الملكة المعرفية: فهي التي تمكّن مستعمل اللغة من تكوين مخزون منظم من المعارف اللغوية وغير اللغوية، واستخدامها في إنتاج وتفسير وفهم المزيد من العبارات والجمل اللغوية.
كنا قد أشرنا آنفا إلى التطورات التي عرفها الدرس اللساني الغربي حيث رصدنا سجالا بين من ينتصر لدراسة اللغة دراسة بنوية صرفة ومن ينعت ذلك بالقصور ويسعى لدراسة اللغة في استعمالاتها، وقد نتج عن هذا النقاش اللغوي الطويل عدد غير قليل من النظريات اللسانية التي تنعت بالوظيفية، غير أن ((هناك نظريات أخرى لا تحمل هذه الصفة، وإنما تأخذ بنفس المبادئ مثال ذلك نظرية الأفعال اللغوية في فلسفة اللغة العادية وما سمي في حقبة  معينة من تاريخ النظرية التوليدية التحويلية الفرضية الإنجازية))[5]، بل إننا نجد في الدرس اللغوي القديم إرهاصات واضحة للوظيفية وإن لم نجد فيه استعمال هذا المصطلح، ((كان الحذاق من علماء العربية وعلى رأسهم سيبويه يتناولون قواعدها تناولا وظيفيا فهم ينظرون في تحليل بناها وتفسيرها إلى ملابسات الخطا ب وحال المخاطِب والمخاطَب، وظروف القول ودواعيه، فلم يعزلوا قواعد الشكل الإعرابي للبنى اللغوية عن وظائفها الاتصالية ومعانيها المقصودة))[6].
حري بنا هنا أن نقف متسائلين:
o                  ما معالم وحدود الاتجاه الوظيفي في الدرس اللغوي؟ و
o                  كيف نميز النظرية الوظيفية من غير الوظيفية؟
o                  وعلى أي أساس يمكن وسم نظرية ما أنها نظرية وظيفية؟
الذي يهمنا في هذا المقام هو نموذج النحو الوظيفي الذي يرتكز على مبادئ منهجية عامة وثابتة، ((ويمكن تلخيص المبادئ المنهجية الأساسية المعتمدة في النحو الوظيفي فيما يلي:
1.                وظيفة اللغات الطبيعية الأساسية هي التواصل.
2.                موضوع الدرس اللساني هو وصف القدرة التواصلية للمتكلم -المخاطب.
3.                النحو الوظيفي نظرية للتركيب والدلالة منظورا إليهما من وجهة نظر تداولية.
4.                يجب أن يسعى الوصف اللغوي الطامح إلى الكفاية إلى تحقيق أنواع ثلاثة من الكفاية النفسية والتداولية والنمطية))[7].
يفهم من هذا الكلام أن أهم منطلقات النحو الوظيفي البحث في وظيفة اللغات الطبيعية، إذ تركز نظرية النحو الوظيفي على أن للغة وظيفة أساسية تتمثل في التواصل بين المتخاطبين بها، وظل هذا المبدأ شعارا يرفعه أعلام المدرسة الوظيفية في الألسنية الحديثة، إلى أن جاء سيمون ديك الذي عدّ كل لغة طبيعيةً هي نظام يحتوي على خصائص بنيوية، هدفها الأساسي تحقيق عملية التواصل بين الناطقين بها، يضاف إلى هذا وصف القدرة التواصلية بين طرفي الخطاب (المتكلم والمخاطب)، كما يهتم النحو الوظيفي بالتركيب والدلالة من وجهة تداولية، والتداولية كما أشرنا سابقا علم ظهر في حقل الدراسات اللسانية، ومن خلاله يسعى النحو الوظيفي إلى تحقيق الكفاية في الاستعمال اللغوي، أو الكفاية التداولية إلى جانب الكفاية النفسية والكفاية النمطية، إذ يندرج النحو الوظيفي من حيث أهدافه ومبادئه المنهجية في زمرة الأنحاء المؤسسة تداوليا التي تتخذ موضوعا لها دراسة خصائص اللسان الطبيعي البنوية في ارتباطها بوظيفته التواصلية[8].
ويقترح أحمد المتوكل ما سماه "النظرية الوظيفية المثلى" وهي مجموعة من المواصفات نستخلصها مما تطمح إليه النظريات ذات المنحى الوظيفي وتجتهد في تحقيقه أو تحقيق القسط الأوفر منه، فتكون النظرية الوظيفية المثلى هي:[9]
·                   النظرية التي تنطلق من مبدأ أداتية اللغة[10] مرجعة وظائفها الممكنة إلى وظيفة التواصل وتؤسس على هذا المبدأ وصف بنية اللغات صرفا وتركيبا وصوتا وتطورها.
·                   النظرية التي تجعل من وظيفة التواصل أساسا للبحث في إشكالات التنظير اللساني الكبرى كإشكال اكتساب اللغة وإشكال الكليات اللغوية.
·                   النظرية التي تتخلى عن الهدفين التقليديين لدراسة اللغة فتتجاوز الوصف المحض لظواهر اللغة والتقعيد للغة تقعيدا تعليميا يتوخى الحفاظ عليها من اللحن.
·                   النظرية التي تتجاوز كفاية الوصف إلى كفاية التفسير وذلك حين تربط دراسة اللغة بثلاثة أمور هي: قدرة "المتكلم-السامع"، "اكتساب اللغة"، "النحو الكلي".
·                   النظرية التي تسعى إلى تحصيل الكفاية اللغوية والكفاية الإجرائية،كفاية وصف اللغة وتفسيرها، وكفاية الإسهام في جانب مهم من قطاعات التواصل الاجتماعية والاقتصادية التي تستخدم اللغة بكيفية من الكيفيات.
إضافة إلى هذه المواصفات التي ينبغي للنظرية الوظيفية أن تتصف بها سعى أحمد المتوكل إلى وضع مبادئ عامة تبيانا لما يضبط التوجه الوظيفي وتفصيلا لما ترتكز عليه المقاربة الوظيفية وهذه المبادئ العامة هي:
وظيفة اللغة الأداة.
https://lissane7.blogspot.com/2019/12/blog-post_56.html
  الأداتية وبنية اللغة.
الإداتية والكليات اللغوية.
https://lissane7.blogspot.com/2019/12/blog-post_60.html
الإداتية واكتساب اللغة.
https://lissane7.blogspot.com/2019/12/blog-post_75.html




[1] ) المتوكل أحمد، المنحى الوظيفي في الفكر اللغوي العربي – الأصول والامتداد-، دار الأمان، الرباط، الطبعة الأولى، 2006، ص 60.
[2] ) ينظر: المنحى الوظيفي في الفكر اللغوي العربي الأصول والامتداد،  المتوكل أحمد، دار الأمان، الرباط، المملكة المغربية ، الطبعة الأولى، 1427هـ 2006م، ص 60.
[3] ) ينظر: نفسه، ص 45.
[4] ) ينظر تلك الملكات في: آفاق جديدة في نظرية النحو الوظيفي،  المتوكل أحمد، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة محمد الخامس، سلسلة بحوث ودراسات رقم 5، المملكة المغربية، الطبعة الأولى، 1993م، ص 8/9، والخطاب وخصائص اللغة العربية دراسة في الوظيفة والبنية والنمط،  المتوكل أحمد، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1431هـ / 2010 م، ص 13/ 15.
[5])  المتوكل أحمد، المنحى الوظيفي في الفكر اللغوي العربي – الأصول والامتداد-، دار الأمان، الرباط، الطبعة الأولى، 2006، ص 43.
[6] ) رمضان النجار نادية، الاتجاه التداولي والوسيط في الدرس اللغوي، مؤسسة حورس الدولية للنشر والتوزيع، القاهرة، الطبعة الأولى، 2013، ص 214.
[7] )  المتوكل أحمد، الوظائف التداولية، دار الثقافة، الدار البيضاء المغرب، دون طبعة، 1985، ص 10.
[8] ) )  المتوكل أحمد، من البنية الحملية إلى البنية المكونية الوظيفة المفعول في اللغة العربية، دار الثقافة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى، 1987، ص 05.
[9])  المتوكل أحمد، المنحى الوظيفي في الفكر اللغوي العربي – الأصول والامتداد-، دار الأمان، الرباط، الطبعة الأولى، 2006، ص 44-47.
[10]) أداتية اللغة من المباديء العامة لنظرية النحو الوظيفي وسنعرض لها بالشرح في الصفحات الآتية.

ليست هناك تعليقات